حماية المناخ ضمانة للإنسانية
جيفري د. ساكس
كان عام 2022، عام الكوارث المناخية، بما في ذلك الجفاف، والفيضانات، والحرائق المهولة، والأعاصير، وغيرها من الكوارث التي ضربت جميع مناطق العالم. وتعدُّ باكستان من بين البلدان الأشد تضرراً من هذه الكوارث. إذ غمرت الفيضانات غير العادية ثلث البلاد، وراح ضحيتها كثير من الناس علاوة على الدمار الذي أحدثته.
ويبدو واضحاً أنَّ فيضانات باكستان مرتبطة بتغيُّر المناخ الناتج عن سلوك الإنسان. وعلى الرغم من أنَّ الهواء الذي يتسم بارتفاع درجات الحرارة، يحتفظ بقدر أكبر من الرطوبة، فإنَّ درجات الحرارة المرتفعة، تؤدي عموماً إلى رياح موسمية أقوى. وفي حين أنَّ الرياح الموسمية لها تباينات طبيعية من سنة إلى أخرى (تكون قوية في بعض السنوات وضعيفة في سنوات أخرى)، يتحول الاحتمال نحو هطول أمطار غزيرة. وقد يسهم ذوبان الأنهار الجليدية في «الهيمالايا»، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، أيضاً، في زيادة الفيضانات، وعلى الأرجح أنَّ الشيء نفسه ينطبق على التغيرات في استخدام الأراضي، بما في ذلك إزالة الغابات، والبنية التحتية سيئة التصميم.
وستكون تكاليف فيضانات باكستان باهظة. إذ تشير التقديرات الأولية إلى أنَّ الأضرار تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، وستشهد الأشهر القادمة زيادة معدلات الجوع، والمرض، والفقر، وتكاليف هائلة لإعادة البناء، بعد أن تعرض أكثر من مليون منزل، إمّا للضرر أو للدمار.
ومن المحتمل أن يتوصَّل العلماء إلى تقديرات دقيقة بشأن مسببات فيضانات باكستان، في الأشهر المقبلة. وإذا افترضنا أنَّ نصفَ خسائر باكستان تُعزى في النهاية إلى تغيُّر المناخ على المدى الطويل، والنصف الآخر إلى التباين العشوائي من عام إلى آخر، والممارسات فيما يتعلق باستخدام الأراضي المحلية، فهذا يعني أنَّ ما يقرب من 15 مليار دولار من الخسائر المقدرة، نتجت عن تغيُّر المناخ.
وحينها ستصبح مهمة العلماء توزيع المسؤولية عن هذه الكوارث المنسوبة إلى المناخ. وفي ظل الترتيبات العالمية الحالية، تقع المسؤولية المالية بالكامل تقريباً على عاتق باكستان. ومن المؤكد أنَّ الولايات المتحدة قد تعهدت بتقديم حزمة إغاثة بقيمة 50 مليون دولار تقريباً، وخصَّصت كندا مبلغاً بقيمة 5 ملايين دولار، ومن المرجَّح أن تنضمَّ إليها دول أخرى. ولكن حتى لو بلغ إجمالي الإغاثة المقدمة لباكستان 150 مليون دولار، فإنَّ ذلك سيغطي 1% من الخسائر التي يمكن أن تُنسب في هذا السيناريو.
والآن، لنفكر في طريقة بديلة لتحديد المسؤولية، بناءً على مساهمات البلدان في تغيُّر المناخ. فهذه هي الطريقة التي تحدد بها المسؤولية في الولايات المتحدة والدول الأخرى بصفة عامة.
يجب أن تتعاون الحكومات في هذا السياق، وأن تبادر جميعاً، بلا استثناء، إلى دعم باكستان وتوفير أفضل أشكال الدعم لها، علاوة على تبنّي نهج تعاون دولي فاعل يكفل تجويد أطر صون المناخ ومنع الإضرار به. إنَّ تعاون الإنسانية جمعاء أجدى السبل الكفيلة في ردع أضرار تغير المناخ وما تسبِّبه من تدمير بالبشر والشجر؟ ومن مسؤولياتنا أن نحمي مقدرات البيئة كي نحمي أنفسنا، وذلك لا يتحقق إلا بمنع أي إضرار بالمناخ وحمايته. إنَّ الدرس المهم من هذه الكارثة، والذي يجب أن نحفظه جيداً، هو أنَّ حماية المناخ ضمانة لسلامة وأمن البشرية جمعاء.