آفاق جديدة في تحليل المخاطر المناخية
بول مونداي، ومايكل ويلكينز
لندن ـ سلطت درجات الحرارة القياسية والظواهر الجوية المتطرفة في السنوات الأخيرة الضوء على التأثير الهائل لانبعاثات غازات الدفيئة على المناخ العالمي. وعلاوة على ذلك، فإنَّ تكاليف هذه الظواهر آخذة في الارتفاع. على سبيل المثال، وقعت خمسة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 2005، مما تسبَّب في أضرار اقتصادية إجمالية بلغت 523 مليار دولار من حيث القيمة المُعدلة حسب التضخم. وفي العام الماضي وحده، شهدت أمريكا 22 كارثة طبيعية كبرى.
ومع ذلك، تُمثل ترجمة نتائج نماذج التغيرات المناخية إلى تأثيرات محتملة محددة، وتقييم العواقب المالية للمخاطر المناخية تحديًّا لكل من الشركات والمستثمرين. وقد أدى الاستيعاب السريع للبيانات المناخية المستندة إلى النماذج إلى تغذية المخاوف بشأن إساءة الاستخدام غير المتعمدة في سياق اتخاذ القرارات والكشف عن البيانات المالية، وكذلك بشأن البيانات المادية المغلوطة في التقارير المالية والغسيل الأخضر (نشر ادعاءات زائفة بحماية البيئة). تشكل هذه المخاطر إشكالية خاصة في حالة الاستثمارات الرأسمالية طويلة الأجل في الهياكل الأساسية العامة، والتي غالبًا ما تستمرُّ لعدة عقود.
تتفاوت حاجة المشاركين في السوق المالية إلى المعلومات المتعلقة بالتغيرات المناخية، سواء من حيث دقة التقييم (فيما يتعلق بأصول محددة أو فئات ومناطق وقطاعات الأصول) أو من حيث الآفاق الزمنية. ومع ذلك، من الصعب تقييم التدابير الرامية إلى الحد من التهديدات المناخية بدون بيانات محددة عن الأداء السابق للكيانات. قد يشمل ذلك تأثر الشركات بالأحداث التاريخية مثل الفيضانات، والتوقيت والنطاق الجغرافي للمخاطر وتأثيرها، وفاعلية التكيف.
بينما لا يوجد حل واحد يناسب الجميع لتقييم المخاطر والفرص المتعلقة بالمناخ، فإنَّ بعض العمليات لها أولوية قصوى. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد التوحيد القياسي على تجنُّب سوء التكيُّف مع تغير المناخ من خلال ضمان التطبيق المتسق لمجموعات البيانات والتصنيفات، فضلاً عن الحد من الاعتماد على نتائج النماذج المناخية الوسيطة. ومن شأن الكشف عن البيانات الموحدة والمحددة جغرافيًّا ذات الصلة بمخاطر الائتمان أن تسمح أيضًا بإجراء تقييمات قابلة للمقارنة للمخاطر والفرص المتعلقة بالمناخ، وكذا تأثيرها المحتمل.
يتمثَّل نهج آخر - تحليلات المخاطر المناخية المعززة - في استكمال نتائج النماذج المناخية بالبيانات الخاصة بكل وحدة، بما في ذلك البيانات على مستوى الأصول والمعلومات المالية. إن الحصول على رؤية واضحة لأصول كيان مُعين يجعل من السهل للغاية فهم التأثير المالي المحتمل للتأثيرات المادية لتغير المناخ. يمكن لهذا التحليل أيضًا تسهيل الحوار مع صُنّاع القرار لفهم وجهة نظرهم بشأن التهديدات المناخية الحادة والمزمنة التي يواجهونها، وكيفية عملهم على إدارتها ومراقبتها والتخفيف من حدتها.
وأخيرًا، يمكّن استخدام سيناريوهات مناخية متعددة تساعد صُناع القرار على النظر في مجموعة أوسع من النتائج المحتملة. وهذا سوف يساعدهم على بناء المرونة التنظيمية وتحديد المخاطر والفرص قبل حدوثها، والتي بدورها تُمكّنهم من التفكير بشكل أكثر إنتاجية في التدخلات المطلوبة.
وعلى الرغم من أنَّ تحليل المخاطر المناخية، والحوار مع الجهات الفاعلة، وتقييمات الخبراء يمكن أن تعمل جميعها على تحسين التحليل، فإنَّ الجيل القادم من النماذج المناخية يحتاج إلى أن يكون أكثر تطورًا من أجل تقييم تعقيدات الاحترار العالمي على نحو أفضل. لا تحدث المخاطر المناخية بمعزل عن غيرها ولا تحترم الحدود القطاعية والجغرافية. وقد يؤدي المزيد من التقدم في مكافحة تغير المناخ إلى ظهور علاقات مُتبادلة وتفاعلات جديدة ومُعقدة يتعذر على موفري البيانات حلها بسبب الطبيعة القوية والمنعزلة للنماذج القائمة.
قد تكون النماذج غير المتوازنة، التي تفترض وجود علاقات أكثر تعقيدًا بين المتغيرات المناخية، بديلاً قابلاً للتطبيق. وعلى نحو مماثل، توفِّر نماذج التقييم المتكاملة إمكانية تجميع نماذج متعددة معًا من أجل فهم سلاسل التأثير التي تربط الأنظمة البيئية والاجتماعية والاقتصادية والمناخية. يمكن لنماذج التقييم المتكاملة أيضًا تقييم آثار الجهود المبذولة للتخفيف من انبعاثات الغازات الدفيئة وتدابير التكيف مع النظام المناخي، وبالتالي تقييم فاعلية الاستراتيجيات ذات الصلة.
لكن النماذج غير المتوازنة ونماذج التقييم المتكاملة ليست حلاً سحريًّا. على سبيل المثال، لا تستطيع نماذج التقييم المتكاملة قياس الضرر الاقتصادي الناجم عن أحداث معينة، مثل العواصف الشديدة، أو حساب التكاليف المرتبطة بالتكيف.
علاوة على ذلك، عادة ما يتم تحديد هذه النماذج حسب التغيرات في متوسط درجة الحرارة العالمية. وهذا يحد من فاعليتها فيما يتعلق بالتغيرات في الظواهر المتطرفة مثل العواصف والفيضانات المفاجئة، والتي تشكل مصدر قلق كبير بالنسبة للعديد من المشاركين في الأسواق المالية، بما في ذلك شركات التأمين. علاوة على ذلك، فإنَّ النماذج مثل نماذج التقييم المتكاملة مُعقدة بطبيعتها وذات عائد مُرتفع ومكلفة لتشغيلها، مما يعني أنَّ العديد من التحديات التي تواجه الجيل الحالي من النماذج المناخية من المرجح أن تنطبق على الجيل القادم أيضًا.
لا يوجد حاليًّا حل مثالي لتقييم الآثار المالية لتغير المناخ، ولكن هذا لا ينبغي أن يُبرّر التقاعس عن العمل. يمكن لتحاليل المخاطر المناخية المحسنة أن تُقدّم صورة أوضح عن مدى الضرر والتكاليف التي يمكن أن يُحدثها الاحترار العالمي بالنسبة للشركات. في حين أنَّ التكنولوجيا ستتطور بسرعة لمساعدة الشركات في تقييم المخاطر المناخية، فإنَّ الحكم التحليلي مطلوب أكثر من أي وقت مضى لتفسير نتائج النموذج وتوجيه عملية صنع القرار على نحو أفضل. بعد كل شيء، في مجال سريع التغير مثل تحليل المخاطر المناخية، لا يوفّر الماضي سوى نظرة ضيقة وقصيرة الأجل للمستقبل.
من شأن هذا النهج أيضًا أن يُساعد على منع النتائج غير المقصودة وإساءة استخدام نتائج النماذج المناخية من قبل المشاركين في الأسواق المالية الذين يحتاجون بشكل متزايد إلى الكشف علنًا عن تعرضهم للمخاطر المناخية. يمكن للشركات والمستثمرين بعد ذلك الاستعداد بشكل أفضل لمجموعة من النتائج المستقبلية المحتملة.
بول مونداي هو مدير مشارك ومتخصص في التكيف مع المناخ والمرونة في مجموعة التمويل المستدام في وكالة التصنيف الإئتماني ستاندرد آند بورز. مايكل ويلكينز هو العضو المنتدب لمجموعة التمويل المستدام في وكالة التصنيف الإئتماني ستاندرد آند بورز.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org