إزالة الكربون مسؤولية القطاعين العام والخاص
لورا تايسون، ودانييل فايس
بيركلي - بمناسبة احتفال العالم بيوم الأرض الثاني والخمسين، يتعيَّن علينا إدراك أَّن تحقيق هدف بلوغ صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصفرية بحلول عام 2050 سيتطلب استثمارات كبيرة لتمويل التحولات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية. ووفقًا لتقديرات شركة ماكينزي، فإنَّ تحقيق ذلك سيُكلف 9.2 تريليونات دولار من الاستثمار العالمي السنوي على مدى الثلاثين عامًا القادمة - بزيادة قدرها 3.5 تريليونات دولار سنويًّا مقارنة بما يتم إنفاقه اليوم على الطاقة النظيفة والمتجددة.
ستأتي معظم هذه الاستثمارات من القطاع الخاص، الذي يتولى زمام المبادرة بالفعل. تبلغ قيمة الأصول الخاضعة للإدارة مع الالتزامات بتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية الآن 57 تريليون دولار. وقد تعهد الأعضاء البالغ عددهم 450 عضوًا في تحالف غلاسكو المالي من أجل تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، والذين يمثلون أكثر من 130 تريليون دولار من الأصول، بمواءمة مستنداتهم الاستثمارية مع هدف الاحترار البالغ 1.5 درجة مئوية الذي حددته اتفاقية باريس للمناخ. فقد تعهد تحالف "First Movers" (الذي يضمُّ أعضاؤه المؤسِّسون شركات مثل آمازون وآبل وبوينج وترين وفولفو) بخلق الطلب على التقنيات النظيفة في المراحل المبكرة في القطاعات "التي يصعب تقليل اعتمادها على الكربون" مثل الصلب والأسمنت والطيران. في الولايات المتحدة وحدها، سجل الاستثمار الخاص في أصول الطاقة النظيفة رقمًا قياسيًّا بلغ 105 مليارات دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 11٪ عن عام 2020 وأعلى بنسبة 70٪ على مدى السنوات الخمس السابقة.
علاوة على ذلك، أنشأت مؤسَّسة المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية في الخريف الماضي مجلس معايير الاستدامة الدولية الجديد لوضع مبادئ توجيهية خاصة بالصناعة للكشف عن البيانات المتعلقة بالمناخ والتي ستستند إلى معايير إعداد التقارير التي وضعها مجلس معايير محاسبة الاستدامة. وبحلول نهاية عام 2021، اعتمدت 258 مؤسسة استثمارية، تُمثِّل 76 تريليون دولار من الأصول، المعايير الطوعية لمجلس معايير محاسبة الاستدامة. وفي خطوة سياسية مهمة، اقترحت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية أخيرًا قواعد جديدة تُلزم الشركات العامة بالكشف عن معلومات حول انبعاثات الكربون الخاصة بها وخططها لمعالجة مخاطر الأصول والانتقال الحقيقية المتعلقة بالمناخ.
كما تُشير هذه الأمثلة، لا يمكن مواجهة تحدي تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية من قِبَل الجهات الفاعلة الخاصة وحدها. سوف يُشكِّل التعاون والتنسيق بين القطاعين العام والخاص أهمية حاسمة في نشر رأس المال الخاص بالسرعة والحجم اللازمين. ويتعيَّن على القطاع العام - بدءًا من المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى الحكومات الوطنية وحكومات الولايات والبلديات - العمل على تشكيل الحوافز وإصدار اللوائح اللازمة لتغذية الاستثمار الخاص الضروري في مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية.
وفي الولايات المتحدة، أسفر التعاون بين القطاعين العام والخاص بالفعل عن بعض النجاحات التجارية في مجال الطاقة النظيفة - وأبرزها شركة "تسلا" المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية، التي تمَّ إنشاؤها بمساعدة قرض من وزارة الطاقة الأمريكية. فقد عمل التمويل الذي قدمته الحكومة لمشاريع البحث والتطوير والقروض والحوافز الضريبية على تسريع نمو صناعة السيارات الكهربائية ودعم الانخفاض الملحوظ في تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مدى السنوات 15 الماضية.
لقد حقَّق الابتكار الموجه والمموَّل من القطاع العام نجاحات ملحوظة في الولايات المتحدة عبر التاريخ. في ولاية كاليفورنيا، أدَّت المعايير التي وضعها مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا إلى اعتماد واسع النطاق للمحول التحفيزي، مما ساعد على الحد من انبعاثات العوادم في الولاية بنسبة 90٪ بين منتصف الستينيات وأوائل الثمانينيات. وقد أصبحت التكنولوجيا بعد ذلك جزءًا قياسيًّا من جميع السيارات المباعة في الولايات المتحدة، لأنَّ شركات صناعة السيارات بحاجة إلى الامتثال للوائح التي وضعتها كاليفورنيا أولاً (ثمَّ وكالة حماية البيئة المشكلة حديثًا).
ونظرًا لحجم سوق كاليفورنيا، يستمر اعتماد معايير كفاءة الوقود التي تضعها من قبل شركات تصنيع السيارات العملاقة. وداخل الولاية، يجري الآن تعبئة رأس المال الخاص من خلال المبادرات العامة مثل برنامج حوافز التوليد الذاتي، الذي يوفِّر تخفيضات للمنظمات التي تقوم بتثبيت تقنيات تخزين الطاقة في الموقع، ومن خلال الإعفاءات الضريبية الخاصة بالاستثمار في الطاقة الشمسية والتخزين.
وكما أشار ويليام إتش. جانوي في تعليق حديث على شبكة بروجيكت سنديكيت، فإنَّ انفجار رأس المال الاستثماري في صناعات تكنولوجيا المعلومات والصحة على مدى نصف القرن الماضي لم يتحقَّق إلا بعد أن استثمرت الحكومة مليارات الدولارات في مشاريع البحث والتطوير والالتزامات المسبقة بشراء المنتجات والخدمات الجديدة. تاريخيًّا، لم تتلقَّ تقنيات الطاقة البديلة وإزالة الكربون أي قدر يُذكَر من الدعم الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية والمعاهد الوطنية للصحة لتكنولوجيا المعلومات والابتكارات الطبية الحيوية. ستؤدي زيادة الدعم الحكومي لمشاريع البحث والتطوير في مجال تكنولوجيات المناخ إلى تسريع الاستثمار في رأس المال الاستثماري، والذي اكتسب زخمًا أخيرًا.
يتعيّن على صُنّاع السياسات وكبار رجال الأعمال استغلال هذه الفرصة لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل التكيف مع تغيُّر المناخ والتخفيف من آثاره. خصصت صفقة مشروع البنية التحتية الجديدة بين الحزبين، بقيمة 1 تريليون دولار، 62 مليار دولار لوزارة الطاقة لتسريع تطوير وتوسيع نطاق تقنيات الطاقة النظيفة من خلال دعم مشاريع البحث والتطوير، والمشاريع الإيضاحية، وتوسيع برنامج القروض الذي اعتمدته وزارة الطاقة الأمريكية، والإعفاءات الضريبية المحددة. هذه خطوات أولى رئيسة. إنَّ من شأن تخصيص مبلغ 555 مليار دولار لبرامج متعلقة بالمناخ من خلال تنفيذ مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل" أن يُوفِّر حوافز إضافية لخفض المخاطر لفتح المجال أمام الاستثمار الخاص المطلوب للانتقال إلى صافي الانبعاثات الصفرية، وبالتالي عالم خالٍ من الكربون.
على الرغم من أنَّ الحرب الروسية في أوكرانيا أجبرت الولايات المتحدة على البحث عن طرق لزيادة إنتاج الوقود الأحفوري على المدى القصير، فإنها وجَّهت أيضًا دعوة للاستيقاظ. سيكون الإنتاج المحلي للطاقة النظيفة أمرًا أساسيًّا ليس فقط فيما يتعلَّق بالتخفيف من حدة آثار تغير المناخ، ولكن أيضًا فيما يتصل بأمن الطاقة على المدى البعيد. ومن شأن سياسات المناخ في تشريع "إعادة البناء بشكل أفضل" أن تسرع بإحراز التقدم نحو تحقيق كلا الهدفين.
ومع ذلك، بغض النظر عمّا يحدث على المستوى الفيدرالي، يمكن للولايات والمدن أن تحذو حذو كاليفورنيا وتنفذ سياسات مناخية جريئة خاصة بها. فقد تعهدت كاليفورنيا بمبلغ 37 مليار دولار على مدى السنوات الست المقبلة - أكثر من معظم الحكومات الوطنية - لمكافحة تغيُّر المناخ، وقَّدمت برنامج قروض جديد خاص بها لتشجيع الابتكار في تكنولوجيات الطاقة النظيفة.
هذه لحظة فريدة وحاسمة بالنسبة للقطاع الخاص. يتعيَّن زيادة وتوزيع رأس المال الخاص به، من خلال الاستعانة بحوافز السياسة العامة لدفع الابتكار والاستثمار من أجل مستقبل مُستدام.
لورا تايسون، الرئيسة السابقة لمجلس الرئيس للمستشارين الاقتصاديين خلال إدارة كلينتون، وأستاذة في كلية هاس للأعمال في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، وعضو مجلس المستشارين في مجموعة أنجيلينو. دانيال فايس، المؤسِّس المشارك والشريك الإداري لمجموعة أنجيلينو، والرئيس المشارك للمجلس الاستشاري لمعهد البيئة والاستدامة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس ويعمل في مجلس إدارة معهد الموارد العالمية.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org