تغيُّر المناخ هو أزمة صحية

جوليا جيلارد

لندن- لقد بات مفهومًا تمامًا التهديد الذي يشكِّله فيروس كوفيد-19 على صحة الإنسان الآن في جميع أنحاء العالم. وفي المقابل، يقل التسليم والفهم فيما يتعلق بالتهديد الهائل الذي يشكله الاحترار العالمي على صحة الإنسان، وبآثاره العديدة التي مازالت تهدِّد رفاهيتنا.

ومع ذلك، فإنَّ تغيُّر المناخ يضرُّ بصحة الإنسان في الوقت الحالي. فعلى سبيل المثال، خلال موسم الرياح الموسمية لعام 2020 في بنغلاديش، غمرت المياه ربع مساحة البلاد، وتضرر أكثر من 1.3 مليون منزل، ومات المئات من السكان. وسيؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر الناجم عن تغيُّر المناخ إلى زيادة تواتر مثل هذه الأحداث في البلدان المنخفضة مثل بنغلاديش. كما أنه سيجلب مخاطر الفيضانات على نطاق مماثل لمزيد من المجتمعات في جميع أنحاء العالم.

وتؤدي الفيضانات الشديدة إلى أكثر من تدمير المنازل. فهي تتسبَّب في تدفُّق مياه الصرف الصحي الخام إلى الشوارع، وتلوث مياه الشرب وتنشر العدوى. كما أنها تدمر المحاصيل وتؤدي إلى سوء التغذية. ويزيد ارتفاع منسوب مياه البحر من ملوحة مياه الشرب، مما يزيد من معدلات ارتفاع ضغط الدم، وتسمم الحمل، والولادات المبكرة.

وهذه ليست المخاطر الصحية الوحيدة التي ينطوي عليها تغيُّر المناخ. فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى ارتفاع معدل الإصابة بضربة الشمس. كما أنَّ فترات الجفاف الطويلة، تقلل من الإنتاجية الزراعية والناتج، شأنها في ذلك شأن الفيضانات الشديدة.

ولا تزال الطرق العديدة التي سيؤثر بها الاحتباس الحراري في صحتنا غير مفهومة تمامًا. ولكن تأثيرها أصبح أكثر وضوحًا، حيث أصبحت التغييرات التي تطرأ على بيئتنا أكثر مأساوية.

والعالم في أمس الحاجة إلى استراتيجية عالمية يقلل من خلالها الأمراض والوفيات المرتبطة بالمناخ في العقود القادمة. وكما هي الحال مع وباء كوفيد-19، سيتطلَّب تطوير حلول فعّالة أن تعمل الحكومات مع العلماء. وسيهدف جزء من أي نهج فعّال إلى الحد من الاحترار في المستقبل، وسيهدف جزء آخر منه إلى التكيف مع مناخ أشد حرارة. ولكن يجب السعي وراء كلتا الحتميتين بطرق تحمي- بل تعزز- الصحة العامة.

ويعدُّ مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 26 المنعقد حاليًّا في غلاسكو فرصة مثالية أمام قادة العالم، حتى يثبتوا أنهم يدركون أنَّ الاحتباس الحراري يمثِّل أزمة صحية، وأنهم يتعلمون من نجاحات الاستجابة للوباء وعيوبها. ففي أقل من عامين، تسبَّب كوفيد-19 في ملايين الوفيات، وعطَّل حياتنا. ورأينا العلماء، والحكومات، والشركات، يتعاونون لتطوير التشخيص والعلاجات واللقاحات. لكننا رأينا أيضًا كيف يمكن للمصالح الوطنية الضيقة وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية أن تحدَّ من الوصول إلى خيارات ميسورة التكلفة، ممّا يطيل أمد الأزمة.

ويتمتَّع قادة العالم الذين يجتمعون في كوب 26 بفرصة مثالية حتى يُظهروا أنهم يفهمون أنَّ تغيُّر المناخ ليس فقط تحديًا بيئيًّا ملحًّا، ولكنه أيضًا أحد التحديات الصحية الأكثر إلحاحًا التي واجهناها على الإطلاق.

إنَّ الحكومات ليست الوحيدة التي تخوض هذه المعركة. إذ ينبغي أن تدعم منظمات المجتمع المدني الجهود في العقود القادمة لمواجهة التحديات الصحية الناجمة عن تغيُّر المناخ. ويجب أن نبني عملية عالمية تعاونية تولد وتقدر- بل الأهم من ذلك- تستخدم الأدلة العلمية للعمل على التصدي لتغيُّر المناخ وتحسين الصحة للجميع. وفي مؤسَّسة ويلكوم ترست (Wellcome Trust)، نحن ملتزمون بتمويل الأبحاث التي تمكننا من فهم الآثار السلبية للاحتباس الحراري على الصحة، ومعالجتها بصورة أفضل. وسوف ندعو بقوة أيضًا إلى أن تكون الأدلة والبحوث في صميم عملية صنع السياسات.

وكما هي الحال مع أي تهديد صحي، فإنَّ الوقاية خير من العلاج. ولن يكون هناك لقاح لتطعيم الناس ضد آثار موجات الحرارة، أو حرائق الغابات، أو الجفاف، أو الفيضانات العارمة، لذا فإن تقليص معدل ارتفاع درجة الحرارة العالمية هو أفضل ما لدينا من إجراء وقائي. وهذا يعني الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ولحسن الحظ، يمكن أن يكون لخفض الانبعاثات تأثير مباشر وإيجابي في الصحة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التحوُّل العالمي من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة إلى زيادة متوسط العمر المتوقع على مستوى العالم لمدة عام واحد على الأقل. كذلك، سيقلل الاعتماد الكبير على النظم الغذائية الغنية بالخضروات، والتي تتكوَّن من نسبة ضئيلة من اللحوم، من غازات الاحتباس الحراري، ويقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والخرف.

ولكن في حين أنَّ خفض الانبعاثات سيقلِّل الضرر في المستقبل، فإنه لن يقضي على التهديدات الصحية التي تنطوي عليها بالفعل عقود من الاحتباس الحراري. وليس لدينا خيار سوى التكيُّف مع الحياة على كوكب أكثر دفئًا.

واستجابة للتهديد المتزايد للفيضانات، على سبيل المثال، تقوم العديد من المجتمعات الساحلية- بما في ذلك مجتمعات كينيا، والولايات المتحدة، وفيتنام- بزراعة غابات المنغروف. إذ يمكن أن تنمو أشجار المانغروف في المياه المالحة، وتوفِّر بعض الحماية ضد الفيضانات. كما أنها تشجّع التنوع البيولوجي ويمكن أن تدعم مصايد الأسماك، وحدائق الخضروات العائمة.

إنَّ المهمة الآن هي تصميم سلسلة من الخيارات الإبداعية التي يمكن للناس في جميع أنحاء العالم استخدامها لتحديد أفضل السبل لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم. إنَّ معالجة ما لا مفرَّ منه من أعراض ارتفاع حرارة الكوكب، ومساعدة المجتمعات على التكيُّف هي مسؤولية الحكومات المحلية، لكننا نحتاج أيضًا إلى مستوى معين من التنسيق الدولي، وتوليد المعرفة الجديدة التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال استراتيجية عالمية متفق عليها بشأن المناخ والصحة.

ولن يكون الأمر سهلاً، كما أنَّ الوقت ليس في صالحنا، ولكن العلم هو عكس ذلك.

ترجمة: نعيمة أبروش    Translated by Naaima Abarouch

جوليا جيلارد، رئيسة وزراء أستراليا السابقة، ورئيسة مجلس إدارة ويلكوم ترست.

حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org