وعد الهيدروجين الأخضر
توماس كوتش بلانك
ستوكهولم – بينما يوجد لدينا بالفعل تقنيات متقدمة يمكنها أن تستبدل الوقود الأحفوري في أجزاء عديدة من الاقتصاد، فإنَّ هناك مجالات سيكون من الصعب جدا إزالة التلوث الكربوني منها. إنَّ الصلب والملاحة والطيران والنقل بالشاحنات على سبيل المثال تشكل مجتمعة 40% من الأثر الكربوني العالمي وهي في الطريق لاستهلاك ضعفي ميزانية الكربون المتبقية من أجل البقاء أقل من 1،5 درجة مئوية من الاحترار.
لحسن الحظ فإنَّ من الأمور الواعدة جدا لهذه القطاعات وجود الهيدروجين "الأخضر" – اتش 2 الذي يتم إنتاجه من خلال التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة المتجددة، ومن خلال التطبيقات المختلفة، يمكن لهذا الجزيء الصغير توفير الحرارة وخصائص الاختزال والوقود والخدمات الأخرى اللازمة من أجل استبدال الوقود الأحفوري. وفي واقع الأمر نظرًا للتحدي التقني المتمثل في جعل هذه القطاعات التي يصعب تخفيفها في حالة من الحياد الكربوني، فإنَّ بلوغ أهداف الصافي الصفري بحلول سنة 2050 بدونه سيكون أمرًا مستحيلًا من الناحية الفعلية.
إنَّ استخدام الهيدروجين يمكن أن يحقق أهدافًا أخرى غير إزالة الكربون؛ فعلى سبيل المثال فإنَّ قدرة الهيدروجين على استبدال الغاز الطبيعي في العديد من التطبيقات يسمح بدرجة من استقلال الطاقة، وتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال أو الاستيراد عن طريق خطوط الأنابيب من روسيا. وبينما الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح محددة بنطاق الشبكات الكهربائية، فإنَّ بالإمكان نقل الهيدروجين من خلال خط الانابيب أو من خلال السفن. إنَّ هذا يعني أنه من الممكن أن يصبح مصدرًا للطاقة المتجددة، ويتم تصديره مما سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى استبدال سلعة الطاقة الرئيسة على مستوى العالم وهي البترول.
إنَّ هناك تباينًا شاسعًا في استخدام الهيدروجين، بحيث يعتمد ذلك على السوق؛ ففي أوروبا وجنوب شرق آسيا فإنَّ الحوافز السياسية وتلك المتعلقة بالسوق هي بالفعل متوافقة بشكل كامل من أجل تبني البنية التحتية المتعلقة بالهيدروجين، ولكن في الاقتصادات الكبيرة المصدرة للنفط والغاز فإنَّ الحوافز عادة ما تكون متعارضة. ومن الملاحظ أن هناك اختلالًا كبيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يستوفي الغاز الطبيعي الأولويات السياسية التي يستطيع الهيدروجين توفيرها للأسواق الأخرى.
إنَّ إنتاج وتخزين ونقل الهيدروجين كعنصر حيوي من أجل تحقيق أهداف صافي صفر انبعاثات بحلول سنة 2050 يمثل فرصة تقدر بتريليونات الدولارات. وهذا لا يشمل فقط المشتغلين الحاليين بالطاقة، ولكن أيضًا المستثمرين. وبينما الهيدروجين يعدُّ حاليًّا أكثر تكلفة (لكل وحدة طاقة يتم تسليمها) من الخيارات المنافسة مثل الوقود الأحفوري، إلا أنَّ زيادة إنتاج المحلل الكهربائي سوف يؤدي لتقليل التكاليف. وخلال العقد القادم نستطيع توقع أن يصل الهيدروجين لنقطة التعادل مع الوقود الأحفوري عبر تطبيقات مختلفة. وبعد ذلك سيؤدي استخدام الهيدروجين للتوفير في التكلفة.
إنَّ الهيدروجين الأخضر يعدُّ جذابًا على وجه الخصوص بالنسبة للدول النامية؛ فهناك تداخل جغرافي قوي بين البلدان والمناطق التي لديها أقل تكلفة إنتاج للطاقة المتجددة مع تلك التي لديها نصيب أقل للفرد في الناتج المحلي الإجمالي. وهكذا فإنه يمكن لتلك البلدان أن تمتلك ميزة تنافسية عالمية بعد أن تصبح من المنتجين والمصدرين للهيدروجين. إنَّ عمل ذلك سوف يساعدها كذلك على جذب صناعة ثقيلة خالية من الكربون مثل تصنيع السماد أو صناعة الصلب بالاختزال المباشر القائم على الهيدروجين وبالطبع سيؤدي تطوير تلك القطاعات إلى خلق فرص عمل كبيرة.
إنَّ الهيدروجين جذّاب كذلك للدول الصناعية الغنية والتي تقود العالم حاليًّا في تصنيع المحلل الكهربائي المتعلق بالهيدروجين ولكن لو أردنا الاسترشاد بالتاريخ الحديث للصناعة الكهروضوئية (الألواح الشمسية)، قد تحتاج الدول الغنية الى سياسات صناعية أقوى للتحقق من أنَّ الإنتاج لن يهاجر للصين وغيرها من المناطق.
ما يزال هناك الكثير من العمل قبل أن يحقق الهيدروجين كامل إمكاناته في إزالة الكربون. وطبقًا للوضع الحالي فإنَّ الهيدروجين الأخضر يمثل جزءًا صغيرًا جدًّا من إنتاج الهيدروجين الحالي، وبدلًا من ذلك فإنَّ معظم الهيدروجين هو "رمادي" لأنه مصنوع باستخدام الوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من وجود إمكانية لالتقاط وتخزين (SMR) عملية إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار بعض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المصاحبة من أجل إنتاج هيدروجين أحفوري "أزرق "وأنظف قليلًا فإنَّ هذا الخيار لن يكون خاليًا من الانبعاثات، وعليه فإنه حتى الآن لا يزال للهيدروجين بصمة معقدة من ثاني أكسيد الكربون.
إضافة إلى ذلك، ومن أجل أن يحقق الهيدروجين إمكاناته فإنَّ إزالة الكربون ضمن الشبكات الكهربائية يجب أن يحصل بشكل متوازٍ. ولكن كما هي الحال بالنسبة للمركبات الكهربائية، نحن لا نستطيع الانتظار حتى تصبح الشبكة نظيفة بنسبة 100% قبل البدء في نشر المحلل الكهربائي حيث يجب علينا البدء الآن.
إنَّ هذا لا ينطوي على مخاطرة مالية كما يبدو علمًا أنه سيكون هناك بلا شك عتبة محددة من أجل أن يصبح الهيدروجين الأخضر هو المصدر الأقل تكلفة للهيدروجين بشكل عام. ومن الملاحظ أن وزارة الطاقة الأمريكية أعلنت أخيرًا أنَّ هدف تخفيض تكلفة "الهيدروجين النظيف" إلى دولار واحد للكيلو غرام من شبه المستحيل تحقيقه من الهيدروجين الذي يتم إنتاجه من خلال عملية
بمستويات أسعار مستدامة للغاز الطبيعي. وهذا يعني أن السياسة الامريكية تتوافق SMR
بالفعل مع الهيدروجين الأخضر.
لكن مهما يكن من أمر فإنَّ استخدام الهيدروجين لإزالة الكربون عن الصناعة الثقيلة سوف يتطلب كميات كبيرة من الكهرباء، علمًا أنَّ إنتاج الحجم اللازم من الهيدروجين من شبه المؤكد أن يؤدي إلى مضاعفة إجمالي توليد الكهرباء الحالي على مستوى العالم. إنَّ الطريقة الوحيدة لتلبية هذا الطلب هو بناء الطاقة المتجددة بشكل أسرع.
وهذا بدوره سوف يؤدي إلى أسئلة حيوية حول تصميم البنية التحتية مثل إعطاء الأولوية لخطوط أنابيب الهيدروجين أو خطوط الكهرباء، وسيكون لنمو هذا القطاع العديد من التداعيات التنظيمية، ومن أجل ضمان البناء السريع للبنية التحتية للهيدروجين، سيكون من المهم تمكين تحقيق الدخل وإنشاء هياكل الأسعار لتشجيع تأجيل الإنفاق الرأسمالي وتوفير التخطيط على مستوى النظام عبر أنواع البنية التحتية.
وبالمثل فإنَّ الانتقال إلى الهيدروجين سوف يسرِّع من تقادم العديد من الأصول القائمة على الوقود الأحفوري، ولكي لا تنتج هذه الكميات الكبيرة من الأصول العالقة آثارًا جانبية سلبية فسوف نحتاج إلى إعادة توظيفها أو مساعدتها على التقاعد المبكر من خلال العديد من الحوافز المالية.
إنَّ أحد المجالات الواعدة جدًّا لإعادة توظيف البنية التحتية هو شبكات خطوط الأنابيب المرتبطة بالغاز الطبيعي والتي في بعض الحالات يمكن تحديثها من أجل السماح بنقل الهيدروجين. إنَّ من الممكن أيضًا إعادة توظيف بعض محطات الطاقة الحرارية، ولكن ستكون الكفاءة الشاملة للطاقة-إلى-الهيدروجين-إلى-الطاقة منخفضة، لذا فإنَّ حالات الاستخدام المربح محدودة. بالنسبة لصناعة الصلب، فإنَّ الصورة أكثر سوداوية، حيث قد يلزم استبدال سعة فرن الصهر الحالية بالاختزال المباشر. وبالمثل، سيتعين استبدال البنية التحتية لتزويد الوقود بالبنزين والديزل، لكن مستقبل مثل هذه البنية التحتية موضع شك بالفعل بسبب السوق المتنامي للمركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات.
إن الهيدروجين يجلب فرصًا ضخمة، ولكنه أيضًا يمثل تحديًا كبيرًا للتوسع؛ فعلى مستوى العالم تمتلك الصناعة حاليًّا القدرة على إنتاج نحو غيغاواط واحد فقط من المحلل الكهربائي للهيدروجين كل عام، بينما طبقًا لتحليل وكالة الطاقة الدولية حول ما يتطلبه مسار 1،5 درجة مئوية، فإنَّ إنتاج الهيدروجين الأخضر سيحتاج للنمو بمقدار ألف ضعف من اليوم وحتى سنة 2030 .
إن هناك أفعال يجب أن يتم اتخاذها من أجل التصدي لمثل هذا التحدي. أولًا نحتاج لسياسات للتحقُّق من وجود طلب مستقر على نطاق واسع وذلك حتى يتسنى لصنّاع التحليل الكهربائي القفز بسرعة إلى مرحة التصنيع الصناعي. ثانيًا، يجب على الحكومات توفير الدعوم لتغطية فرق القيمة الأخضر وذلك حتى تأتي مرحلة الاستفادة من الدروس الأولية. وأخيرًا يجب علينا معالجة التوتر بين مواقع الأصول الحالية والأماكن ذات البصمة النظيفة الأقل تكلفة للصناعات الخالية من
الكربون.
لقد اكتسبت أسواق الهيدروجين بالفعل بعض الزخم ووصلت إلى نقطة اللاعودة وذلك بفضل دعم الأولويات السياسية المباشرة وغير المباشرة. وعليه فإن تلك الأسواق قد بدأت وبسرعة تجعل الصناعة الأنظف والاقتصاد الخالي من الكربون في متناول اليد.
توماس كوخ بلانك هو مدير أول لتقنيات الاختراق في RMI
حقوق النشر: بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org