تحول الطاقة و«الخريطة الجديدة»
المصدر: دانيال يرجين
في أيامنا هذه، يحتل «تحول الطاقة» من الهيدروكربونات إلى مصادر الطاقة المتجددة مكان الصدارة في المناقشات السياسية، لكن الأشهر الثمانية عشر الأخيرة أثبتت أن هذه المهمة تنطوي على قدر من الصعوبات والتحديات أعظم كثيراً مما كان المرء ليتصور بمجرد دراسة الرسوم البيانية، التي تظهر في العديد من السيناريوهات، حتى في الولايات المتحدة وأوروبا.
تبنّت الحكومات مبادرات ضخمة (مثل قانون خفض التضخم ومبادرة RePowerEU)، لتحريك الأمور، ولن يجري تحديد عمليات تطوير ونشر وتوسيع نطاق التكنولوجيات الجديدة، التي يُعتمد عليها التحول في نهاية المطاف إلا بمرور الوقت.
يوحي مصطلح «تحول الطاقة» بأننا نخطو ببساطة خطوة أخرى في الرحلة، التي بدأت قبل قرون من الزمن مع الثورة الصناعية، ولكن في دراسة وفحص تحولات الطاقة السابقة أثناء الإعداد لكتابي «الخريطة الجديدة» أذهلني مدى اختلاف التحول الحالي، ففي حين دفعت التكنولوجيا والميزة الاقتصادية التحولات السابقة تعد السياسة العامة الآن العامل الأكثر أهمية.
هناك جملة تحديات في الخصوص، أولها الحروب. ويتعلق التحدي الثاني بالحجم: يعتمد الاقتصاد العالمي اليوم، الذي تبلغ قيمته 100 تريليون دولار على الهيدروكربونات في تدبير أكثر من 80% من احتياجاته من الطاقة، ولن يتسنى بسهولة تحويل أي شيء على هذا القدر من الضخامة والتعقيد مثل نظام الطاقة العالمي.
في كتاب جديد مهم بعنوان «كيف يعمل العالم حقاً؟»، يقول الباحث الشهير في مجال الطاقة فاتسلاف سميل إن «الركائز الأساسية الأربع التي تقوم عليها الحضارة الحديثة» هي الإسمنت، والصُلب، والبلاستيك، والأمونيا (للأسمدة)، وكل منها تعتمد بشكل كبير على نظام الطاقة القائم.
ويتمثل التحدي الثالث بـ: الانقسام الجديد بين الشمال والجنوب. في الشمال العالمي (أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في المقام الأول) يحتل تغير المناخ قمة أجندة السياسات، ولكن في الجنوب العالمي تتعايش هذه الأولوية مع أولويات حاسمة أخرى، مثل تعزيز النمو الاقتصادي، والحد من الفقر، وتحسين الصحة، من خلال استهداف تلوث الهواء داخل المساكن، بسبب إحراق الخشب والنفايات، وعلى هذا فإن «تحول الطاقة» من منظور كثيرين في العالم النامي يعني الانتقال من الخشب والنفايات إلى غاز البترول المسال.
يتعلق التحدي الرابع بالمتطلبات المادية اللازمة لتحول الطاقة. أرى هذا باعتباره التحول من «النفط الكبير» إلى المجارف الكبرى، أي التحول من التنقيب عن النفط والغاز إلى استخراج المعادن، التي سيزداد عليها الطلب بدرجة كبيرة في عالم يصبح أكثر اعتماداً على الكهرباء.
لكن الانزعاج في حد ذاته لن يفتح مناجم جديدة كبرى، وهي عملية من المقدر أن تستغرق من 16 إلى 25 عاماً، وتواجه متطلبات تصاريح متزايدة التعقيد في مختلف أنحاء العالم. في بعض بلدان الموارد الرئيسية تعادي الحكومات استخراج المعادن صراحة.
لذا فعلى الرغم من وضوح اتجاه تحول الطاقة يتعين على صناع السياسات أن يدركوا التحديات التي ينطوي عليها هذا التحول، ويشكل التوصل إلى فهم أعمق وأكثر واقعية للقضايا المعقدة التي يجب أن تعالج ضرورة أساسية مع استمرار الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التحول.