ما الذي تحتاجه عملية الانتقال نحو الطاقة المُتجددة؟
مادس نيبر
كوبنهاجن ـ هناك بوادر مشجعة على إحراز تقدم في مكافحة تغير المناخ. انضمت آلاف الشركات إلى حملة السباق من أجل صفر انبعاثات الكاربون، وعزَّزت البلدان مساهماتها المحددة وطني بموجب اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015. لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الطموح والعمل الهادف. كما يشير أحدث بحث أجراه برنامج تعقب العمل المناخي، فإنَّ السياسات الوطنية الحالية تضعنا على طريق ارتفاع درجة حرارة 2.9 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي، بحلول نهاية هذا القرن - أعلى بكثير من هدف اتفاقية باريس للمناخ وهو 1.5 درجة مئوية.
في هذا العقد الحاسم من العمل المناخي، سيكون مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني بمنزلة اختبار أساسي للطموحات العالمية. لا تخطئ: إنَّ الهدف المتمثل في بناء مجتمع خالٍ من الانبعاثات بحلول عام 2050 هو هدف طموح بالفعل وسيشكل تحديًا كبيرًا؛ لكنه ممكن تمامًا. وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن جميع التقنيات اللازمة للتخفيضات الضرورية في الانبعاثات العالمية بحلول عام 2030 موجودة بالفعل. وبالنسبة لأهداف منتصف القرن، يُظهر تحليل ماكنزي أنه يمكن تحقيق أكثر من 85٪ من تخفيضات الانبعاثات الضرورية باستخدام تقنيات إمَّا متوافرة بالفعل أو في مرحلة مبكرة من اعتمادها.
نظرًا لأنَّ إنتاج الطاقة واستخدامها يمثل نحو 73٪ من الانبعاثات العالمية، فإنَّ الحصول على هذا الجزء من الانتقال الصحيح هو أفضل فرصة لنا لاتخاذ قفزة نوعية نحو صافي الصفر. لكن علينا أولاً التغلب على بعض العقبات. من الموثق جيدًا أن تكاليف الطاقة المتجددة - خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح - قد تراجعت بشدة خلال العقد الماضي، مما جعل مصادر الطاقة المتجددة أرخص مصدر للطاقة في أكثر من ثلثي العالم. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يحدث تحوَّل الطاقة ببطء شديد؟
ما يجب على الحكومات فعله
ببساطة، إنَّ التأخير في تنفيذ عملية التحول نحو الطاقة الخضراء ناجم عن الافتقار إلى الأطر والسياسات التنظيمية والمؤسسية المناسبة المصمَّمة لإرسال إشارات السوق الصحيحة. إنَّ انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة ليس سوى أحد المتغيرات المهمة في المعادلة. يتعيَّن على الحكومات أيضًا تحديد أهداف الطاقة المتجددة وأدوات السوق اللازمة لتمهيد الطريق أمام إزالة المخاطر، وتحسين التخطيط وعمليات إصدار التصاريح، والاستثمارات في شبكات الكهرباء الحديثة والهياكل الأساسية، كما ورد في ورقة عمل أعدتها أخيرًا شركة أورستد الدنمركية للطاقة المُتجدّدة ومعهد الموارد العالمية.
ما هي الخطوات المُحددة والعملية التي يمكن أن تتخذها الحكومات؟ أولاً، سيتطلب الانتقال في مجال الطاقة استثمارات كبيرة - 131 تريليون دولار بين الآن وعام 2050، وفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة. نظرًا إلى أنه من المتوقع أن تأتي غالبية الاستثمارات في عملية التحوُّل نحو الطاقة النظيفة من القطاع الخاص، فإنَّ إقامة شراكات قوية بين الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص ستكون ضرورية لتحقيق زيادة الحجم. يمكن للحكومات الالتزام بتنفيذ سياسات مناخية قوية وإلزامية وتحقيق أهداف التحوُّل نحو الطاقة المتجددة كإشارة للمستثمرين والسوق إلى أنَّ الانتقال في مجال الطاقة سيُشكل أولوية اليوم وعلى المدى البعيد. سيساعد الجمع بين هذه الأهداف والأسواق المناسبة وتصميمات العقود على زيادة إمكانات المشاريع الجديدة لجذب الاستثمار الخاص.
كما يجب أن يتمَّ توسيع نطاق الاستثمارات في الطاقة المتجددة بطريقة تكفل حدوث الانتقال في انسجام مع الناس والطبيعة. ولضمان تحقيق الفوائد - مثل خلق فرص عمل جيدة - في جميع المجتمعات المحلية، سيكون من الضروري المشاركة والتعاون في وقت مبكر مع أصحاب المصلحة المحليين. إنَّ وضع الاستدامة في قلب العملية الانتقالية لا يقل أهمية، ولهذا السبب قمنا أخيرًا بإعلان أن جميع مشاريعنا الجديدة في مجال الطاقة المتجددة ستُسهم بشكل إيجابي صافي في التنوع البيولوجي بحلول عام 2030، على أبعد تقدير.
يتعين على الحكومات أيضًا تحسين توافر عقود إيجار قاع البحر لطاقة الرياح البحرية والقدرة على تحمُّل تكاليفها وإمكانية التنبؤ بها. هذه مسألة مُلحة. تحتاج حصة توليد الكهرباء المتجددة إلى زيادة أسرع بثمانية أضعاف من المعدل الحالي من أجل تحقيق أهداف اتفاقية باريس. إنَّ كل تأخير في عملية إصدار التصاريح والموافقة يجعل تحقيق هدف بلوغ 1.5 درجة مئوية أكثر صعوبة.
وأخيرًا، يتعين على الحكومات ضمان تحوُّل أنظمة الطاقة المتجددة إلى أنظمة حديثة وفعّالة في المستقبل. تحظى مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية بمعظم اهتمام وسائل الإعلام، لكن الاستثمارات في تحسين وتوسيع شبكات الكهرباء داخل الولايات القضائية وفيما بينها تتسم بنفس القدر من الأهمية. إلى جانب كونها ضرورية لنقل وتوزيع الطاقة إلى حيث تكون هناك حاجة إليها، ستجعل هذه البنية الأساسية أيضًا نظام الطاقة أكثر مرونة
إلى جانب التوسع في الكهربة، يمكن أن تضعنا طاقة الرياح والطاقة الشمسية على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهداف إزالة الكربون؛ لكن هذه التكنولوجيات وحدها لن تكون كافية. في القطاعات حيث يصعب الحد من انبعاثات الكربون الناتجة عنها، مثل النقل الثقيل والصلب والأمونيا - والتي تُعدُّ مسؤولة عن نحو 20٪ من الانبعاثات العالمية - يجب استخدام الهيدروجين المتجدد والوقود الأخضر على نطاق واسع.
ومع ذلك، يتمثَّل التحدي الرئيس أمام صناعات الهيدروجين والوقود الأخضر والمتعهدين في ضرورة تطوير العرض والطلب في آن واحد. لا يمكننا أن ننتظر عقدًا آخر حتى يتمَّ استيعاب هذه التقنيات على نطاق تجاري واسع. يتعين على الحكومات التدخل للمساعدة على تسريع التحول عن طريق إزالة الحواجز التنظيمية وتوفير الدعم المباشر لتطوير هذه التكنولوجيات.
وعلى غرار طاقة الرياح البحرية، يمكن خفض تكاليف الهيدروجين المتجدد والوقود الأخضر من خلال التصنيع والإنتاج على نطاق واسع. وكما نوصي في ورقة عمل بيضاء حول تقنيات "تحويل الكهرباء إلى أنواع أخرى من الوقود، يمكن للحكومات إنشاء أطر تنظيمية لتعزيز المشاريع الرائدة، ودمج هذه التقنيات في تخطيط الهياكل الأساسية، وتسريع استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتوفير طاقة مُستقرة ومنخفضة التكلفة من أجل الإنتاج المستدام للهيدروجين النظيف.
ما العمل الذي يتعين على القطاع الخاص القيام به
في حين يُعد العمل الحكومي - من خلال السياسات التنظيمية والحوافز - أمرًا حاسمًا لإحراز المزيد من التقدم، فإنَّ الانتقال إلى الطاقة الخضراء سيتطلَّب جهدًا مُضاعفًا من قبل جميع فئات المجتمع. من جانبه، يلعب القطاع الخاص دورًا رئيسًا في تسريع هذه العملية من خلال استثمار مليارات الدولارات في عملية التحوُّل نحو الطاقة الخضراء، مما يُؤدي إلى خفض تكاليف التكنولوجيا، والحد من استخدام الكربون في أنشطته، والدعوة إلى تعزيز العمل من جانب جميع أصحاب المصلحة المعنيين. يمكن أن تُعزز تدابير القطاع العام والخاص بعضها البعض لخلق حلقة من ردود الفعل الإيجابية وتوفير قدر أكبر من الزخم في مكافحة تغير المناخ.
لن يكون الفوز في السباق نحو تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية مهمة سهلة. ومع ذلك، أرى ما لا يقل عن خمس خطوات يمكن أن تتخذها الشركات لإثبات التزامها بالعمل الفعّال.
أولاً، يتعيَّن على المديرين العمل في إطار عملياتهم وسلاسل الإمدادات الخاصة بهم لتحديد أهداف خفض الانبعاثات بنسبة 1.5 درجة مئوية كلما أمكن ذلك. ثانيًا، يجب أن تضمن الشركات تماشي الأهداف الطويلة الأجل مع الإجراءات القصيرة الأجل والاستثمارات المتناسبة مع المناخ. ثالثًا، يتعين على قادة الشركات ضمان إدماج أهداف التنوع البيولوجي في خططهم المتعلقة بالمناخ والاستدامة. رابعًا، لا يجب أن ينظروا إلى التعويضات عن خفض الانبعاثات باعتبارها حلًّا سحريًّا؛ في الواقع، يجب استخدام التعويضات بشكل أساسي للحد من الانبعاثات التي يصعب تخفيفها في هذه المرحلة. أخيرًا، ينبغي للشركات أن تُقلل من استخدامها العام للطاقة من خلال تدابير الكفاءة، ثمَّ تُحول استهلاكها المتبقي نحو الطاقة المتجددة.
قمة المناخ "كوب 26" وما بعدها
في ظل اجتماع قادة العالم والمفاوضين في غلاسكو في نوفمبر / تشرين الثاني من هذا العام، يتعين على جميع الشركاء - بما في ذلك الحكومات والشركات والأسر - أن يستمروا في المطالبة بالمزيد من الإجراءات الملموسة والفعالة المتعلقة بالعمل المناخي. نحن نتحمَّل جميعًا مسؤولية حرص بعضنا البعض على تحقيق الأهداف المناخية.
وفي الفترة التي تسبق عقد قمة المناخ كوب 26، نأمل نحن في شركة "أورستد" أن نرى المزيد من البلدان تعتمد المساهمات المحددة وطنيًّا بموجب اتفاق باريس مع تنفيذ سياسات تتيح اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه وتمويل وتعزيز التعاون. بوصفنا شركة في الخطوط الأمامية للعمل المناخي، نحن مُستعدون لتبادل أفكارنا ونصائحنا مع الحكومات التي تسعى إلى تسريع وتيرة وتوسيع نطاق الانتقال إلى الطاقة الخضراء.
وفي مختلف أنحاء العالم، منحت الآلاف من الشركات والمستثمرين والمدن والمواطنين الحكومات الضوء الأخضر لتسريع عملية الانتقال إلى الطاقة الخضراء. نحن نعلم أنَّ الاقتصاد الخالي من الكربون سيجلب العديد من الفوائد. ولدينا التقنيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. نحن نعلم أننا في حاجة إلى استثمارات ضخمة، ولكن يمكن إدارتها بشكل واضح ضمن الأطر المناسبة. نحن بحاجة للعمل جميعًا الآن.
مادس نيبر هو الرئيس التنفيذي لشركة "أورستد" الدنمركية للطاقة المُتجددة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org