المساواة في التعليم بين الجنسين ضرورة وليست خياراً
نياز أسد الله
يمثل ضمان التعليم الشامل العادل العالي الجودة للجميع، ركيزة أساسية لأهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة. قبل ثلاثين عاماً، كان عدد الفتيات الملتحقات بالمدارس أقل من عدد الفتيان. وبين الفتيات اللاتي كن محظوظات بالقدر الكافي للالتحاق بالتعليم، تسربت الغالبية في وقت مبكر. في أجزاء كثيرة من العالم النامي، اجتمعت الأعراف الاجتماعية مع الفقر في الحد من الفرص التعليمية والاجتماعية المتاحة للفتيات.
مع ذلك، كان التحسن الذي طرأ على التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي والثانوي على مدار السنوات الخمس والعشرين الأخيرة مذهلاً، مما أدى إلى الحد بشكل كبير من أوجه التفاوت التعليمية بين الجنسين.
في حين أن الفتيات ما زلن يواجهن الإقصاء الشديد في بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى مثل ساحل العاج وغينيا وتوجو، فإن فجوة الالتحاق بالتعليم بين الجنسين انغلقت أو حتى انعكست (مع تأخر الفتيان عن الفتيات) في آسيا النامية، ويرجع هذا غالباً إلى الشراكات الحكومية مع المدارس الدينية وغيرها من المدارس الخاصة.
على سبيل المثال، أثناء حملة دعم الأهداف الإنمائية للألفية (سلف أهداف التنمية المستدامة)، التي استمرت من عام 2000 إلى عام 2015، ساعدت المدارس الإسلامية في سـد الفجوة بين الجنسين من خلال توسيع اختيار المدارس في إندونيسيا وبنغلاديش. في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، كثيراً ما تتعارض المعايير الدينية والتعليمية، حيث يواجه الآباء الراغبون في تعليم بناتهم معارضة السلطات الدينية المحلية. لكن المدارس الإسلامية عملت على التوفيق بين هذه الاختلافات بتعليم الفتيات غير المتزوجات دون انتهاك أعراف المجتمع، وهي غالباً المدارس الوحيدة المتاحة في القرى النائية التي تفتقر إلى المدارس العامة والتي لن تذهب إليها المؤسسات الخاصة الهادفة للربح.
من خلال التعاون مع المدارس الدينية المختلطة لسد الفجوات بين الجنسين في التعليم الابتدائي، تقدم بنغلاديش وإندونيسيا دروساً قيمة لدول أخرى في المنطقة، وخاصة أفغانستان وباكستان، حيث عززت الأشكال التعليمية الأحادية الجنس الفصل على حساب الفتيات.
ولكن من الممكن أيضاً أن يخلق مقدمو الخدمة على أساس ديني تحديات جديدة ومقايضات صعبة. بعض الممارسات التعليمية في المدارس الدينية قد تلغي أي مزايا تقدمها في ما يتعلق بتمكين الوصول إلى التعليم. لأن كتبها المدرسية، ومناهجها، وبيئة الفصول المدرسية التي تقدمها ليست شاملة للجنسين دائماً، فإن التعليم الذي تقدمه للفتيات قد يُـفـضي إلى تعزيز الأدوار التقليدية للجنسين.
تمتلك الحكومات الأدوات اللازمة للتقليل من التأثيرات السلبية المحتملة التي قد يخلفها التعليم القائم على الدين على المساواة بين الجنسين، على سبيل المثال من خلال ضمان تسجيل كل المدارس الدينية واتباع ذات المناهج وعمليات التدريب على رصد التحيز الجنسي التي تتبعها المدارس العامة. لكن القول هنا أسهل كثيراً من الفعل. يتوقف الكثير على ما إذا كانت المؤسسات الحكومية لديها القدرة على فرض المعايير والتوسط بين مجموعات المصالح المتنافسة.
علاوة على ذلك، تعمل المدارس الدينية عبر مجموعة واسعة من السياقات المؤسسية والسياسية. وهي متواجدة بشكل كبير ليس فقط في دول ديمقراطية مثل إندونيسيا بل وأيضاً في بلدان استبدادية مثل أفغانستان تحت حكم طالبان. وحتى داخل هذه البلدان، لا يخلو الأمر من تنوع هائل في كيفية تنظيم المدارس الدينية، وتمويلها، وضبط عملها. ويظل عدد كبير منها خارج سيطرة الدولة، وهي لن تبادر من تلقاء ذاتها إلى تعيين المزيد من المعلمات أو تبني مناهج المساواة بين الجنسين.
ما يزيد الأمور تعقيداً أن قدرة الدولة اللازمة لإدارة التعليم وتنظيمه تميل إلى الارتباط عكسياً بالمعروض من المدارس الدينية. لأن الساسة في ماليزيا دعوا لفترة طويلة إلى زيادة الإنفاق بشكل كبير على التعليم، فلم تنتشر المدارس الإسلامية غير الحكومية هناك. في بنغلاديش، على النقيض من ذلك، تسبب الإنفاق العام المنخفض على التعليم في تشجيع النمو غير المنظم للمدارس الإسلامية غير الحكومية، التي يتمتع قادتها الآن بقوة تفاوضية كبيرة على سلطات الدولة.
يتعين على صناع السياسات، والناشطين في مجال التعليم، وغيرهم ممن يساورهم القلق بشأن تخلف الفتيات عن الركب، أن ينظروا إلى ما هو أبعد من مجرد تمكين الوصول إلى التعليم. فبرغم أن المدارس الدينية من الممكن أن تعمل على زيادة نسبة الفتيات في الفصول الدراسية، فإن جوهر التجربة التعليمية التي تخوضها الفتيات مهم أيضاً. قد يتطلب التصدي لهذه القضية المشحونة تنفيذ إصلاحات لن تحظى بشعبية كبيرة. ونظراً للتعقيد الذي يتسم به قطاع المدارس الدينية، فإن النهج التعاوني القائم على الحوار الشعبي مع القادة الدينيين يشكل ضرورة أساسية.
لتحقيق هذه الغاية، دعا وزير التعليم ذو الشخصية الكاريزمية ديفيد موينينا سينجه في سيراليون إلى فكرة الإدماج الجذري، والتي تقوم على إشراك القادة الدينيين وغيرهم من المهتمين بشكل استباقي لدعم حقوق الطلاب المستضعفين. ولكن في النهاية، سيكون إصلاح قطاع المدارس الدينية أسهل كثيراً إذا توفر أيضاً الإجماع السياسي على دعم زيادة الاستثمار في المدارس العامة. في حقيقة الأمر، لا توجد طرق مختصرة للوصول إلى التعليم العالمي الشامل العالي الجودة.
*أستاذ اقتصاديات التنمية في جامعة موناش في ماليزيا، وهو رئيس كتلة جنوب شرق آسيا في منظمة العمل العالمية