تحسين جودة التعليم في آسيا في مرحلة ما بعد كوفيد 19
ألبرت بارك
مانيلا - في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تنفَّس الطلاب وأولياء الأمور الصعداء مع إعادة فتح المدارس واستئناف الفصول الدراسية حضوريًّا بشكل تدريجي. ومع ذلك، حان الأوان لتحمل النتائج: يُهدد الفشل في تعويض الخسائر التعليمية الكبيرة التي تَكبدها الطلاب خلال جائحة فيروس كوفيد 19 بتقويض إمكانياتهم المحتملة مدى الحياة وإلحاق أضرار جسيمة بالعدالة الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة.
ومع بداية العام الدراسي الجديد في غضون بضعة أشهر في العديد من البلدان الآسيوية، يتعين على الحكومات سد هذه الفجوات التعليمية بشكل عاجل من خلال تعزيز المدارس وشبكات الأمان الاجتماعي. وفي حين أتاحت العديد من المدارس إمكانية التعلُّم عن بُعد أثناء الجائحة، فإنَّ هذا لم يكن بديلاً جيدًا للتعليم الحضوري - خاصة في البلدان النامية. ووفقًا لتقديرات بنك التنمية الآسيوي، يفقد الطلاب من البلدان النامية في آسيا في المتوسط أكثر من نصف عام من التعلم الفعّال.
إنَّ التقاعس عن اتخاذ إجراءات فعلية بهذا الشأن مُكلف للغاية. إذا لم يتم تدارك الأمر، فإنَّ فقدان الطلاب لفرص التعليم سيقلل من إنتاجيتهم طوال حياتهم العملية ويُترجم إلى خسارة إجمالية مُتوقعة في العائدات تبلغ 3.2 تريليونات دولار بقيمة الدولار الثابت لعام 2020، أي ما يعادل 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي في آسيا النامية عام 2020.
في الواقع، لم يتم تحمُّل خسائر التعلم أثناء الجائحة بالتساوي، مما جعل عكسها أكثر صعوبة. تواجه الفتيات والطلاب من الأسر الفقيرة صعوبات غير متكافئة في التعلُّم عن بُعد، وذلك بسبب قلة فرص الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر، والإنترنت، والآباء أو غيرهم من البالغين القادرين على مساعدتهم، وبيئة الدراسة المنزلية المواتية. علاوة على ذلك، فإنهم غالبًا ما يميلون إلى الخروج من المدرسة استجابةً للصعوبات الاقتصادية - وهو الأمر الذي عانت منه العديد من الأسر الآسيوية أثناء الجائحة.
ونتيجة لذلك، فإنَّ خسائر التعلم المقدرة بين الطلاب المنتمين إلى أفقر 20٪ من الأسر في آسيا النامية أعلى بمقدار الثلث مقارنة بالطلاب المنتمين إلى أغنى 20٪، وهو ما يعادل خسارة أكبر بنسبة 47٪ المتوقعة للمكاسب مدى الحياة. ومن المتوقَّع أن تعاني الفتيات من خسائر مستقبلية في الدخل بنسبة 28٪ أكثر من الذكور.
لسد هذه الفجوات وتقليل الخسائر الإجمالية، تحتاج الحكومات في جميع أنحاء المنطقة إلى تحسين جودة التعليم، وسد الفجوات التعليمية، ودعم الطلاب المحرومين. وكخطوة أولى، من الأهمية بمكان ضمان استئناف الفصول الدراسية الحضورية بأمان، مما يمنع المزيد من فرص التعلم الضائعة. وقد يعني ذلك توسيع الفصول الدراسية لتمكين التباعد الاجتماعي الكافي، وضمان التهوية المناسبة، وتركيب محطات غسل اليدين والصرف الصحي، وجدولة وجبات الطعام لتجنب الازدحام، ومراقبة أعراض الإصابة بفيروس كوفيد 19. سوف تحتاج المدارس التي تستقبل بشكل أساسي الطلاب ذوي الدخل المنخفض في المقام الأول إلى مزيد من الاستثمار لإجراء هذه التحسينات، وبالتالي ينبغي أن تتلقى المزيد من الدعم المالي.
تتمثَّل الخطوة الثانية في التعويض عن فرص التعلم الضائعة من خلال الدروس الخصوصية المستهدفة والتتبع المنتظم لتقدم الطلاب. في بنغلاديش، على سبيل المثال، أدى التدريس الفردي أثناء الجائحة إلى تحسين مهارات الطلاب في الحساب بنسبة 33 ٪ ومحو الأمية باللغة الإنجليزية بنسبة 52٪ مقارنة بالطلاب الذين لم يتلقوا الدروس الخصوصية، وكانت المكاسب أكبر بالنسبة للطلاب الفقراء والمتخلفين الذين ينتمون إلى أسر ذات مستوى تعليمي متدني.
حتى قبل اندلاع جائحة فيروس كوفيد 19، أظهرت التجارب العشوائية المضبوطة في الهند وغانا وكينيا أنَّ البرامج التعليمية التي تطابق التعليم مع مستويات تعلُّم الطلاب الفردية (بدلاً من استخدام منهج دراسي ثابت ومُوحَّد) حسنت نتائج الاختبار بشكل كبير. يمكن للتقنيات مثل برنامج "MindSpark" تخصيص المحتوى التعليمي للطلاب وتقديم تعليم فردي فعّال للغاية. أظهرت التجربة أثناء الجائحة أيضًا أنَّ تعبئة العائلات والمجتمعات والمتطوعين لدعم نتائج التعليم يمكن أن يسرِّع وتيرة تعلُّم الأطفال.
يُعدُّ سد الفجوة الرقمية ضروريًّا أيضًا لتحسين فرص التعلم وبالتالي تحسين فرص حياة الطلاب الفقراء. لقد جعلت الجائحة البنية التحتية الرقمية أكثر مركزية للتعليم والتواصل، ومن المرجَّح أن ينجح الطلاب المحرومون إذا كانت لديهم القدرة الكافية على الوصول إلى التجهيزات والبرمجيات وأدوات الاتصال التي يحتاجون إليها.
من شأن حملات محو الأمية الرقمية أن تستهدف الفتيات، ويمكن للحكومات العمل مع مقدمي خدمات الإنترنت لتوفير ولوج ميسور التكلفة، بما في ذلك من خلال توفير إعانات الدعم. في سريلانكا، أبرمت الحكومة اتفاقية مع مزودي خدمة الإنترنت للسماح للطلاب باستخدام أنظمة إدارة التعلم الجامعية مجانًا أثناء إغلاق المدارس، وبالتالي زيادة معدل مشاركة طلاب التعليم العالي في برامج التعلم عبر الإنترنت إلى أكثر من 90٪.
يُعدُّ تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لتشجيع الأطفال على الالتحاق بالمدارس أمرًا بالغ الأهمية أيضًا. يمكن أن تقلِّل برامج التغذية المدرسية والتحويلات النقدية لنفقات التعليم من معدلات الانقطاع عن الدراسة بين الطلاب المحرومين وتشجع بعض الطلاب الذين توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة على إعادة التسجيل. قبل اندلاع الجائحة، أدى برنامج التحويلات النقدية المخصص لتعليم الفتيات في بنغلاديش إلى زيادة تعليم المشاركين بأكثر من ثلاث سنوات في المتوسط.
وأخيرًا، يتعيَّن على صُنّاع السياسات في آسيا العمل على بناء المرونة والقدرة على الصمود في حالات الطوارئ في أنظمة التعليم. سوف تحدث الاضطرابات من جديد. يجب أن تتمتَّع البلدان بالقدرة على الانتقال إلى التعليم عن بُعد في غضون فترة وجيزة، ويجب أن يكون الجميع- المعلمون وأولياء الأمور والطلاب والإداريون- على استعداد للقيام بذلك. ومن الممكن دمج الابتكارات التعليمية الناجمة عن عمليات إغلاق المدارس لمكافحة الجائحة، مثل تدريس الطلاب عبر الهاتف، في المناهج الدراسية العادية لإعداد الطلاب للتوقُّف التالي عن الدراسة حضوريًّا.
إنَّ الاختيار واضح للغاية. يمكننا ترك جيل من الطلاب الآسيويين يتخلَّف أكثر عن الركب ويدفع ثمن فرص التعلُّم المفقودة، كما يمكننا ضمان حصول جميع الطلاب على التعليم الذي يحتاجون إليه. إنَّ مساعدة شباب اليوم على تحقيق إمكانياتهم هو أضمن طريقة لخلق منطقة أكثر إنصافًا وازدهارًا للجميع.
ألبرت بارك هو كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org