سحر المنهاج الدراسي
ويليام جيرمانو وكيت نيكولاس
نيويورك- خلال الازمة المالية في سنتي 2007-2008 شهد الكثيرون ما أطلق عليه علماء الأدب "أزمة التمثيل"؛ فعالميا ًكان يبدو أن أكثر من 15 تريليون دولار أمريكي قد تبخرت حيث تعجب الناس قائلين: انتظروا لحظة، ما هي النقود؟ وكيف تبخرت كل تلك القيمة؟ لو كان هذا الشيء الذي يمثل الشيء الآخر يمكنه أن يختفي نهائياً، فهل كان هناك أي شيء في المقام الأول؟
نحن الذين ندّرس في الجامعات نشهد حالياً تجربة مشابهة بسبب جائحة كوفيد-19 فخسارة معظم خصائص الحياة الأكاديمية العملية – لا توجد فصول دراسية أو مكاتب، وعوضاً عن ذلك نرى الطلاب في منازلنا من خلال تطبيق زووم – قد جعلنا نتساءل: ما الجامعة وماذا يعني التعليم العالي؟
إنَّ الجواب غير واضح في سنة 2020 وليس فقط لأن الأزمة الاقتصادية التي تسبَّبت بها الجائحة سوف تؤدي على الأرجح إلى الاختفاء النهائي لعدد من الكليات الصغيرة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية كما اختفت كل تلك الأموال. إن التعليم الافتراضي مثل التجارة الإلكترونية أو التواصل أو الصلاة عن بعد لا يشبه عمل كل تلك الأشياء فعلياً، فالحياة الجامعية بدون العيش في السكن الجامعي والحفلات والفصول الدراسية الفعلية وساعات الدوام في مكاتب فعلية هي حياة جامعية عقيمة.
لكن تقليص الحياة الجامعية بهذا الشكل يمكن أن يكشف لنا عن شيء أساسي أخفته عنا جدران التسلق والكافيتريات والحروب الثقافية وخاصة عن آلية التعليم. ما الذي سوف يتمكن الطلاب من عمله في نهاية الدورة الدراسية لم يكن بإمكانهم عمله في بدايتها؟ ما الذي يحدث عندما نسأل ذلك السؤال؟ من خلال بناء تلك الدورات الدراسية بشكل معاكس وباستخدام هذه الطريقة فإنَّ بإمكان أساتذة الجامعات إضافة المهارات المطلوبة على مراحل. إن هذه الفكرة البسيطة ليست جديدة تماماً ولكنها ليست في قلب النقاشات الحالية المتعلقة بالتعليم العالي.
إن هذا يعود جزئياً إلى أن أعضاء هيئة التدريس لم ينظموا أنفسهم للإجابة عن السؤال الأساسي حول ماذا تدّرس الجامعات؟ وكيف؟ فلقد أصبحت هذه المهمة تقع وبشكل متزايد على عاتق الإداريين المسؤولين عن "التقييم". يتم تحديد مجموعة من "الأهداف القابلة للقياس" في العديد من مستندات التخطيط والاعتماد المختلفة كما يتم توحيد "النتائج والأهداف التي يحققها للطلاب" على المستوى المؤسسي. يخشى العديد من الأساتذة أن تكتسب هذه الهياكل والقيود الإدارية شعبية أكبر خلال هذه الجائحة فالدورات التعليمية الافتراضية يمكن مراقبتها وتسجيلها ويمكن أن تصبح شبيهة للخوارزميات بدلاً من أن تشكل مجتمعات تعليمية حقيقية.
لكن قبل وقت طويل من حصول رؤساء الجامعات على ماجستير في إدارة الأعمال وتمتُّعِ مديري الموارد البشرية بأمان وظيفي أكثر من الأساتذة أنفسهم، كان للتعليم العالي الأمريكي وثيقة التخطيط الخاصة به وهي منهاج الدورة التعليمية البسيط.
إن العديد من الأساتذة يشعرون بالقلق بسبب أن المنهاج بحد ذاته قد أصبح فريسة للعديد من المتطلبات البيروقراطية مثل إعلانات إخلاء المسؤولية شبه القانونية والمتعلقة بالأمانة والنزاهة الأكاديمية والاعتبارات المتعلقة بالأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وسياسات تقديم التظلم، ولكن المنهاج في جوهره هو شيء مكتوب يصيغه الأستاذ من أجل إحياء الفصل الدراسي.
بالطبع فإنَّ هذه لا تشكِّل النظرة التقليدية، ففي منتصف القرن العشرين كان المنهاج في معظمه عبارة عن قائمة من المعارف التي يقدمها الأستاذ للطلبة ولكن اليوم فإنَّ المنهاج هو عبارة عن فرصة لتقديم قصة يكون الطلبة -وليس الأساتذة- هم الشخصيات الرئيسة فيها. إنَّ صياغة مثل تلك القصة تعطي أيَّ أستاذ الفرصة لأن يفعل ما يفعله الكتاب الجيدون عادة وهو التفاعل بشكل ينم عن التعاطف مع تجارب الاخرين وبهذه الطريقة يمكن للمدرسين إنشاء فصول دراسية تأخذ الطلاب في رحلة تتخللها المصاعب والتغيير من أجل الوصول إلى مكان جديد.
نحن لا ندعو لجعل كل فصل دراسي "مثل التعليم المهني" بطريقة أو بأخرى ناهيك عن إضافة الصبغة العاطفية للعمل الجاد الذي ينطوي عليه التعليم وعوضاً عن ذلك يجب على المدرسين تخطيط دوراتهم الدراسية بشكل عكسي وذلك من خلال تطوير المهام – القراءة والتجارب والمشاريع – بشكل تدريجي بحيث يتعلم الطلبة كيفية التعليم بقدر ما يتعلموا ماهية التعليم أسبوعا بعد أسبوع وحتى من خلال فصول دراسية متعاقبة.
إن التقنية بجميع أنواعها يمكن أن تكون حيوية وخاصة الآن بسبب أن جمعينا تقريباً أصبحنا ندّرس افتراضياً، ولكن يجب أن يكون ذلك عبارة عن أداة للمدرس وليس تفويضاً بالنيابة عنه. لم يعتقد أي معلم في الفصل الدراسي على الإطلاق أن السبورة أو الطباشير هي التي تقوم بالتدريس، ولكننا اليوم نخاطر بتخيل أن تقنيتنا المعقدة يمكنها التعويض عن الافتقار إلى أصول تعليمية قوية وعملية. إن الأساتذة الذين يسألون كيف يمكن للتقنية أن تحسّن أساليب التدريس لديهم هم في واقع الأمر يسألون السؤال الخطأ.
إن الاستفادة من تجربة الوباء لإعادة تصور أهداف التدريس قد تكون الفائدة غير المتوقعة لوضع بائس. إن بإمكان المدرسين أن يغتنموا من خلال هذه الأزمة فرصة إعادة التفكير في الديناميكية المهمة للفصل الدراسي فتعليم الطلبة كيفية التعليم وتعلم كيفية عمل الأشياء بأنفسهم خارج الفصل الدراسي تعدُّ هدية التعليم الضرورية للمجتمع.
إن تقديم مثل تلك الهدية والتحقق من تلقيها، سوف يتطلب الكثير من الكتابات الجيدة- ليس الكتابات البيروقراطية أو تلك التي يمكن التخلص منها بسهولة ولكن شيئاً أكثر إبداعاً وقد لا يبدو هذا مثل المنهاج الدراسي الذي تتذكره من أيام دراستك الجامعية ولكن هذا ما نحتاجه الآن.
إن هناك قولاً شهيراً لوينستون تشرشل مع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية وهو "لا تدع أزمة جيدة تذهب سدى". إن أزمة كوفيد -19 هي أخطر أزمة واجهها التعليم العالي الأمريكي على الإطلاق وهذه الفرصة يجب أن لا نجعلها تذهب سدى.
ويليام جيرمانو هو أستاذ اللغة الإنجليزية في مركز الفنون للكتابة التابع لكلية كوبر يونيون لتقدم العلوم والفنون. كيت نيكولاس هو مدير مركز الفنون للكتابة في كلية كوبر يونيون لتقدم العلوم والفنون وهما مؤلفان مشاركان لكتاب:" المنهاج: الوثيقة الرائعة وغير الملحوظة التي تغير كل شيء (مطبعة جامعة برينستون ،2020 ).
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2020
www.project-syndicate.org