الذكاء الاصطناعي وأهمية ضمان عمل الابتكارات لتحسين العالم
المصدر: غابريلا راموس * ماريانا مازوكاتو **
احتل عالم التكنولوجيا الكثير من عناوين الأخبار الرئيسية لسنة 2022 ففي أكتوبر اشترى إيلون ماسك تويتر، وهي إحدى منصات التواصل العامة الرئيسية التي يستخدمها الصحفيون والأكاديميون والشركات وصانعو السياسات، حيث سارع ماسك إلى فصل معظم موظفي تويتر المسؤولين عن الإشراف على المحتوى، وأشار إلى أن الشركة ستعتمد بدلاً من ذلك على الذكاء الاصطناعي.
ولاحقاً لذلك وبالتحديد في نوفمبر، ذكرت مجموعة من الموظفين من شركة ميتا أنهم ابتكروا برنامجاً للذكاء الاصطناعي يكون قادراً على التغلب على معظم البشر في اللعبة الاستراتيجية «دبلومسي». أما في شينزين بالصين فيستخدم المسؤولون «التوائم الرقمية» لآلاف الأجهزة المحمولة المتصلة بشبكة الجيل الخامس لمراقبة وإدارة تدفقات الأشخاص وحركة المرور واستهلاك الطاقة بشكل متزامن، ومع التكرار الأخير لنموذج التنبؤ اللغوي «تشات جي بي تي»، فإن الكثيرين يعتقدون بأن ذلك سوف يشكل نهاية المقال الجامعي.
باختصار، فلقد كان عاماً زادت فيه المخاوف الجدية الموجودة بالفعل بشأن كيفية تصميم التقنيات واستخدامها لتتحول تلك المخاوف إلى شكوك ذات طبيعة ملحة. من هو المسؤول هنا؟ من يجب أن يكون المسؤول؟ يجب تصميم السياسات والمؤسسات العامة لضمان أن الابتكارات تعمل على تحسين العالم، ومع ذلك يتم حالياً استخدام العديد من التقنيات بشكل منعزل عن السياق العام. نحن بحاجة إلى هياكل حوكمة شاملة وموجهة نحو تحقيق المهام بحيث تتمحور حول مصلحة مشتركة حقيقية. يمكن للحكومات التي لديها القدرات اللازمة تشكيل هذه الثورة التكنولوجية لخدمة المصلحة العامة.
لو نظرنا إلى الذكاء الاصطناعي سوف نجد أن تعريفه طبقاً لقاموس أوكسفورد للغة الانجليزية بشكل عام هو «نظرية وتطوير أنظمة الكمبيوتر القادرة على أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشرياً مثل الإدراك البصري والتعرف على الكلام واتخاذ القرار والترجمة بين اللغات». يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل حياتنا أفضل وذلك من خلال العديد من الطرق، حيث يمكنه أن يعزز إنتاج الأغذية وإدارتها من خلال جعل الزراعة أكثر كفاءة وتحسين سلامة الأغذية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدنا في تعزيز المرونة والصلابة ضد الكوارث الطبيعية وتصميم المباني التي توفر الطاقة وتحسين تخزين الطاقة وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة كما يمكنه أن يعزز دقة التشخيص الطبي عندما يقترن ذلك بتقييمات الأطباء.
ستجعل هذه التطبيقات حياتنا أفضل من نواحٍ كثيرة. ولكن مع عدم وجود قواعد وأحكام فعالة، فإن من المرجح أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى خلق المزيد من عدم المساواة وتعميق أشكال عدم المساواة الموجودة بالفعل. لا يحتاج المرء إلى البحث كثيراً قبل أن يجد أمثلة على أنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي تعيد إنتاج تحيزات اجتماعية غير عادلة، ففي إحدى التجارب الحديثة، أصبحت الروبوتات التي تعمل بخوارزمية التعلم الآلي عنصرية وتميز على أساس نوع الجنس بشكل صريح علماً أنه بدون رقابة أفضل فقد تمارس الخوارزميات التي من المفترض أن تساعد القطاع العام في إدارة مخصصات الرعاية الاجتماعية التمييز ضد العائلات التي هي في أمس الحاجة للمساعدة، ومما يثير القلق أيضاً أن السلطات في بعض البلدان تستخدم بالفعل تقنية التعرف على الوجه التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لمراقبة المعارضة السياسية وإخضاع المواطنين لأنظمة المراقبة الجماعية.
إن الحصة السوقية هي أيضاً مصدر قلق كبير فتطوير الذكاء الاصطناعي - والتحكم في البيانات الأساسية - يهيمن عليه عدد قليل من اللاعبين الأقوياء في عدد قليل من المناطق، وبين عامي 2013 و 2021، استحوذت الصين والولايات المتحدة على 80٪ من استثمارات الذكاء الاصطناعي الخاصة على مستوى العالم. يوجد الآن خلل هائل في القوة بين المالكين لهذه التقنيات من القطاع الخاص وبين بقية الناس.
ولكن يتم تعزيز الذكاء الاصطناعي عن طريق الاستثمارات العامة الضخمة أيضاً. يجب أن تتم إدارة هذا التمويل لخدمة الصالح العالم وليس لمصلحة القلة. نحن بحاجة إلى بنية رقمية تتقاسم فوائد تحقيق القيمة الجماعية بشكل أكثر إنصافاً. يجب أن ينتهي عصر التنظيم الذاتي المحدود. عندما نسمح للأسواق بالانتشار بدون قواعد وأحكام تنظيمية قوية، فإن الدولة ودافعي الضرائب سوف يضطرون لأن ينقذوا الموقف بعد وقوع الحادث، وعادة ما يكون ذلك بتكلفة مالية باهظة وبآثار اجتماعية سلبية طويلة الأمد. والأسوأ من ذلك أنه مع الذكاء الاصطناعي لا نعرف حتى ما إذا كان التدخل اللاحق سيكون كافياً وكما أشارت صحيفة الايكونومست مؤخراً فإن مطوري الذكاء الاصطناعي أنفسهم عادة ما يتفاجأون بقوة إبداعاتهم.
لحسن الحظ، نحن نعرف بالفعل كيف نتجنب أزمة أخرى ناجمة عن سياسة عدم التدخل. نحن بحاجة إلى مهمة ذكاء اصطناعي «تكون في تصميمها أخلاقية» مع وجود التنظيم السليم والحكومات المؤهلة التي تعمل على تشكيل هذه الثورة التكنولوجية لما فيه المصلحة المشتركة، بدلاً من مصلحة المساهمين وحدهم. يمكن للقطاع الخاص مع وجود هذه الركائز أن ينضم إلى الجهود الأشمل من أجل جعل التقنيات أكثر أماناً وإنصافاً.
يجب أن تضمن الرقابة العامة الفعالة أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي يخلقان فرصاً من أجل تحقيق قيمة عامة. إن هذا المبدأ جزء لا يتجزأ من توصية اليونسكو بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وهي إطار معياري اعتمدته 193 دولة عضو في نوفمبر 2021. علاوة على ذلك يتحمل اللاعبون الرئيسيون الآن مسؤولياتهم فيما يتعلق بإعادة تأطير النقاشات العامة في هذا الخصوص، حيث اقترحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع قانون حقوق الذكاء الاصطناعي كما يطور الاتحاد الأوروبي إطاراً شاملاً لتنظيم الذكاء الاصطناعي.
ومع ذلك يجب علينا أيضاً الإبقاء على استخدامات القطاع العام للذكاء الاصطناعي على أساس أخلاقي سليم، ومع دعم الذكاء الاصطناعي للمزيد من عمليات صنع القرار، فإن من المهم ضمان عدم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بطرق تقوض الديمقراطية أو تنتهك حقوق الإنسان.
يجب علينا أيضاً التعامل مع نقص الاستثمار في قدرات القطاع العام نفسه الابتكارية وتلك المتعلقة بالحوكمة.
نظراً إلى أن الكثير من المعرفة والخبرة تتركز الآن في القطاع الخاص، فإن التعاون بين القطاعين العام والخاص سيكون أمراً حتمياً ومرغوباً. يتعلق تحقيق المهمة باختيار الراغبين أي من خلال الشراكة في الاستثمار مع الشركاء الذين يدركون إمكانات المهمات التي تقودها الحكومة. إن الأمر الجوهري في هذا الخصوص هو تزويد الدولة بالقدرة اللازمة لإدارة كيفية نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي واستخدامها بدلاً من تأخرها الدائم عن اللحاق بالركب. إن بإمكان القائمين على السياسات مشاركة مخاطر ومزايا الاستثمار العام من خلال وضع شروط للتمويل العام وكما يمكنهم، بل ينبغي عليهم أن يطلبوا من الشركات التقنية الكبرى أن تكون أكثر انفتاحاً وشفافية.
إن مستقبل مجتمعاتنا على المحك. يجب ألا نحل مشكلات الذكاء الاصطناعي والسيطرة على المخاطر السلبية المتعلقة به فحسب، بل يجب علينا أيضاً تشكيل اتجاه التحول الرقمي والابتكار التقني على نطاق أوسع. ليس هناك وقت أفضل من انطلاقة العام الجديد للبدء في وضع الأساس لابتكار غير محدود من أجل مصلحة الجميع.