استراتيجية التحوُّل الرقمي التي تحتاجها إفريقيا
فيكتور هاريسون وماريو بيزيني
أديس أبابا/باريس – لقد كانت ردة فعل العديد من الدول الإفريقية على المخاطر الصحية والاقتصادية التي يشكلها كوفيد-19 سريعة وفعَّالة. لا يوجد الكثير من التوثيق لقيام القطاعين العام والخاص بالمنطقة، وبسهولة وسرعة بتطويع ممارساتهما الرقمية على ضوء القيود المرتبطة بجائحة كوفيد -19، ولكن قصص النجاح كانت مذهلة بحق.
على سبيل المثال فإنَّ تحويل الأموال من شخص لشخص باستخدام الهاتف المحمول في رواندا زاد بمقدار أربعة أضعاف خلال الشهر الأول من الإغلاق، وذلك من منتصف مارس وحتى منتصف إبريل 2020، بينما أصبحت الدفعات بدون لمس "الشيء الاعتيادي الجديد" ومن أجل إبطاء عدوى فيروس كورونا المستجد، تمكَّنت الشركات الناشئة المبتكرة من تطوير حلول رقمية مثل تطبيق الهاتف المحمول البعيد "قم بتشخيص حالتي" في بوركينا فاسو، وأدوات تصنيف أولوية العلاج من كوفيد-19 في نيجيريا. لقد قام وزراء التعليم فيما لا يقل عن 27 بلد إفريقي بعمل منصات للتعلُّم عن بُعد للطلاب الذين تأثروا بسبب إغلاق المدارس.
في واقع الأمر كان روَّاد الأعمال الأفارقة الذين يتمتَّعون بمهارات تقنية يبتكرون حلولاً رقمية للاحتياجات المتزايدة للقارة قبل فترة طويلة من تفشي الجائحة. لقد قاموا بتجديد نماذج الأعمال في العديد من القطاعات، وذلك من التمويل إلى التجارة الإلكترونية والزراعة والتعليم والصحة، وقاموا بتأسيس أكثر من 640 مركزاً تقنياً نشطاً في طول المنطقة وعرضها.
لكن هذه الموارد المكثفة المرتبطة بريادة الأعمال والفرص التي خلقتها الثورة الرقمية العالمية لن تكون كافية لدعم التحوُّل الاقتصادي طبقاً لرؤية الاتحاد الإفريقي "أجندة 2063"، وعلى وجه الخصوص فإنَّ حجم تحدي خلق الوظائف في إفريقيا هو كبير لدرجة أن قصص النجاح المعزولة لا تستطيع تحسين الأرقام بشكل جوهري.
مع ارتفاع عدد الأفارقة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة والحاصلين على التعليم الثانوي أو العالي من 77 مليون اليوم إلى الرقم المتوقع الذي يصل إلى 164 مليون بحلول سنة 2040، فإنَّ الطلب على المزيد من الوظائف سوف يستمر في الارتفاع. إنَّ القطاع الرقمي بحد ذاته سيكون دوره محدوداً في هذا الخصوص، فعادة ما تخلق الشركات الناشئة فرصاً محدودة- عادة للمبتكرين المؤهلين تأهيلاً عالياً. يكمن الحل في الانتشار السريع للابتكار الرقمي عبر الاقتصاد ككل.
وعليه فإنَّ إطلاق عملية واسعة النطاق لخلق الوظائف يتطلَّب سياسات من أجل إدخال الحلول الرقمية للاقتصاد غير الرقمي، ولكن على الرغم من أنَّ ثمانية من عشر دول إفريقية لديها استراتيجيات تتعلق بالرقمنة، فإنها ترّكز في الغالب على القطاع الرقمي وفي نسخة 2021 من تقرير ديناميكية التنمية الإفريقية- تقرير مشترك من مفوضية الاتحاد الإفريقي ومركز التنمية التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- نقترح أربعة مبادئ توجيهية لمساعدة الحكومات على إعادة توجيه وتقوية استراتيجياتها المتعلقة بالرقمنة.
أولاً، يجب على صُنّاع السياسات الترويج لنشر الابتكار الرقمي للجميع وليس فقط أولئك الذين يعيشون في مدن كبيرة وعلى الرغم من أنَّ 73% من الإفارقة سوف يعيشون في مدن وسيطة ومناطق ريفية بحلول سنة 2040، فإنَّ 35% فقط من تلك المدن اليوم موجودة ضمن عشرة كيلومترات (6،2 ميل) من شبكة ألياف ضوئية أرضية فائقة السرعة وبالمثل 25% فقط من سكان المناطق الريفية في القارة لديهم القدرة على الوصول للإنترنت مقارنة بنسبة 35% في آسيا و40% في أمريكا اللاتينية. إن الوصول الشامل للتقنيات الرقمية يتطلَّب كذلك بيانات أكثر بأسعار معقولة في جميع المجالات وحالياً فإنَّ 17% فقط من السكان في إفريقيا يستطيعون تحمُّل تكلفة غيغابايت واحد من البيانات شهرياً مقارنة بنسبة 37% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي و47% في آسيا.
إنَّ الأولوية الثانية هي أعداد القوى العاملة في إفريقيا لتبني التحوُّل الرقمي. إنَّ 45% من الشباب يعتقدون أنَّ مهاراتهم غير كافية لوظائفهم وحسب الاتجاهات الحالية سوف يشكِّل الذين يعملون لحسابهم الخاص، إضافة للعاملين في أعمال تديرها الأسرة 65%، من إجمالي العمالة في المنطقة بحلول سنة 2040 مقارنة بنسبة 68% في 2020. إنَّ ظهور أشكال جديدة من العمل في الاقتصاد الرقمي سوف يكون المحرك لغالبية التنمية مما يستوجب إطاراً تنظيمياً قوياً وبرامج للحماية الاجتماعية للجميع، وخاصة بالنسبة للعاملين لحسابهم الخاص والذين يعتمدون على ترتيبات تعاقدية غير مستقرة مع المنصات الإلكترونية.
ثالثاً، تحتاج الحكومات لمساعدة الشركات الناشئة، إضافة إلى الشركات الصغيرة ومتوسطة الجحم لتبني الأدوات الرقمية الأكثر فاعلية من أجل المنافسة والابتكار في العصر الرقمي. إن 31% فقط من الشركات ضمن القطاع الرسمي الإفريقي لديها موقع على الإنترنت مقارنة بنسبة 39% في آسيا و48% في أمريكيا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وفقط 17% من رواد الأعمال في المراحل المبكرة بإفريقيا يتوقعون خلق ست وظائف على الأقل، وهي أدنى نسبة مقارنة بالمناطق الأخرى.
أخيراً، يجب على صنّاع السياسات التنسيق على المستويات الإقليمية والقارية. إن استراتيجيات الرقمنة الوطنية لا يمكن أن تعمل وحدها، حيث إنَّ دمج الاقتصادات الرقمية للقارة ضمن "منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية" يتطلَّب تعاوناً بين الدول في مجالات بما في ذلك الضرائب الرقمية وأمن البيانات ومستويات الخصوصية وتدفق البيانات عبر الحدود والتوافقية، وحالياً فقط 28 دولة إفريقية لديها تشريعات لحماية البيانات الشخصية وفقط 11 دولة تبنَّت قوانين معتبرة تتعلق بالجرائم الإلكترونية، حيث يجب على تلك البلدان تبادل الخبرات والدروس المستفادة مع بقية القارة.
تجري الرقمنة حالياً على قدم وساق في إفريقيا، ولكن زيادة فوائدها تتطلَّب سياسات عامة جريئة ومنسقة، ونظراً لاحتمالية أن تتسبَّب أزمة كوفيد-19 في تعطيل الاقتصاد العالمي للمدى المنظور، يجب على القادة الأفارقة التركيز على تطبيق المكونات الحيوية من "استراتيجية التحول الرقمي لإفريقيا" وذلك من أجل التعامل مع التحديات والفرص القادمة.
فيكتور هاريسون هو مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الإفريقي. ماريو بيزيني هو مدير مركز التنمية التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومستشار خاص لأمين عام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لشؤون التنمية.
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org