هل يتمكن فيروس كورونا من مراوغة اللقاحات؟

ويليام أ. هاسلتين

بوسطن ــ بات من المعلوم الآن أنَّ فيروس SARS-CoV-2 قادر على التحوُّر للتهرُّب من الحماية التي يوفِّرها اللقاح ضد العدوى. فمن الممكن أن تصيب متحورات أوميكرون ــ BA.1، وB1.1، وBA.2 ــ أولئك الذين أصيبوا سابقًا بعدوى متحورات أخرى، حتى بعد تطعيمهم. ورغم أنَّ الجرعة الثالثة الـمُـعَـزِّزة توفِّر بعض الحماية ضد عدوى أوميكرون، فإنَّ تأثيرها يتلاشى بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، مما يجعل أغلب الناس عُـرضة للإصابة بالعدوى مرة أخرى. مع ذلك، تظلُّ المناعة المنقولة عن طريق عدوى سابقة أو التطعيم قادرة على تقليل حالات الإدخال إلى المستشفيات والوفاة.

وقد أدركنا أيضًا أنَّ منقذنا الرئيس من مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) ليس الأجسام المضادة، بل جزءًا آخرَ من جهاز المناعة: الخلايا التائية (T cells). توضِّح الدراسات أنَّ قوة استجابة خلايانا التائية الطويلة العمر لبروتينات SARS-CoV-2 ــ وخاصة الخلايا التائية التي تتعرَّف إلى البروتين الشوكي للفيروس ــ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجة الحماية.

هناك نوعان من الخلايا التائية، CD4+ وCD8+، والتي تتميَّز ببروتينات على سطحها. ولأنَّ الخلايا التائية من نوع CD4+ تساعد غالبًا على إنتاج الأجسام المضادة، فإنَّ الخلايا التائية من نوع CD8+ هي البطل الحقيقي في القصة. فبمجرد تعرُّفها إلى الغازي الذي تتذكَّره من مواجهة سابقة، تسارع إلى التحرُّك للقتل، فتهدم الخلايا المصابة وتقاطع دورة حياة الفيروس.

قبل ظهور المتحور أوميكرون، كانت الفوارق في تحييد الأجسام المضادة التي يستحثها اللقاح والأجسام المضادة وحيدة النسيلة طفيفة نسبيًّا. لكن العملية التي تتعرَّف بها الخلايا التائية إلى البروتينات الفيروسية تختلف تمامًا عن العملية في حالة الأجسام المضادة، التي تتعرَّف على الـبُـنى على البروتين الفيروسي السليم. ونحن نعلم أنَّ هذه الـبُـنى الحساسة، وخاصة تلك الموجودة على البروتين الشوكي الخارجي، تختلف من متحور إلى آخر. وهذا التنوع البنيوي على وجه التحديد هو الذي يسمح للفيروس بمراوغة أغلب الأجسام المضادة التي تُـصـنَّـع في إطار الاستجابة للعدوى الطبيعية أو التطعيم.

على النقيض من هذا، لا تتعرَّف خلايانا التائية إلى البروتينات السليمة. بل تحدث عملية التعرُّف في الخلايا التائية عندما يجري تقطيع بروتين فيروسي داخل خلية إلى شظايا قصيرة، ثمَّ تحتضنه قبضة بروتين خلوي يسمّى MHC من النوع واحد. يقدم هذا البروتين الخلوي MHC من النوع واحد الشظية الفيروسية إلى الخلية التائية عند سطح الخلية، حيث تتمكَّن الخلية التائية من التعرُّف إلى التركيبة التي تتألَّف من الشظية الفيروسية التي يقدمها البروتين الخلوي MHC من النوع واحد.

في الإجمال، تتعرَّف الخلايا التائية إلى مجموعة واسعة للغاية من شظايا البروتين الفيروسي. عندما يتعلَّق الأمر بالفيروس SARS-CoV-2، تتداخل هذه الشظايا بشكل ضئيل للغاية مع المناطق من الفيروس الحساسة للتحييد بواسطة الأجسام المضادة. لهذا السبب، تظلُّ استجابات الخلايا التائية للعدوى الفيروسية محفوظة عمومًا من متحور إلى آخر. قبل ظهور المتحور أوميكرون، نجحت اللقاحات التي تستخدم بروتينًا فيروسيًّا واحدًا في رفع استجابة الخلايا التائية بذات القدر تقريبًا لكل المتحورات. ولكن الآن تغيَّر الوضع. فليس الجميع متشابهين عندما يتعلَّق الأمر بربط شظايا البروتين الفيروسي. ذلك أنَّ البروتينات MHC من النوع واحد في أجسامنا متنوعة، وكل منها تتعرَّف إلى مجموعة فريدة من شظايا البروتين الفيروسي. وعلى هذا فإنَّ تفاعلنا مع البروتينات الفيروسية يعتمد على تسلسلها وتسلسل مجموعة البروتينات MHC من النوع واحد الخاصة في أجسامنا.

لنتأمل هنا دراسة حديثة أجراها الباحث جوراف د. جايها وزملاؤه، الذين فحصوا استجابات الخلايا التائية لسلالات ووهان، ودلتا، وأوميكرون لدى أشخاص إمّا أصيبوا بالعدوى وحصلوا على اللقاح والجرعة المعززة، وإمّا أصيبوا بالعدوى وحصلوا على اللقاح (ولكن ليس الجرعة المعززة). وجد الباحثون أنَّ أغلب الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى بعد التطعيم أظهروا ردود فعل إيجابية قوية ودائمة من الخلايا التائية CD4+ وCD8+ لكل المتحورات الثلاثة.

لكن الأمر لم يخلُ من اكتشاف مثير للقلق. فقد أظهر ما يقرب من 20% من أولئك الذين جرى تطعيمهم انخفاضًا بنسبة تزيد على 50% في استجابة الخلايا التائية للمتحور أوميكرون، مقارنة بالمتحورين ووهان ودلتا؛ وفي بعض الحالات كان التراجع أشد عمقًا. لم تكن هذه الاستجابات الهزيلة من جانب الخلايا التائية مرتبطة بالجنس أو العمر، وكشفت تجارب المتابعة أنَّ الاختلاف كان راجعًا إلى تفاعل أقل من جانب الخلايا التائية CD8+، وليس استجابة الخلايا التائية CD4+.

لهذا، عمل الباحثون على تنقيح التحليل من خلال فحص قدرة الخلايا التائية على التعرُّف إلى أجزاء بعينها من البروتينات الفيروسية. لتحقيق هذه الغاية، استخدموا مجموعة من شظايا البروتين القصيرة لإعادة تكوين البروتين الشوكي بالكامل، واستخدموا مجموعة مماثلة من شظايا البروتين المقابلة لبروتينات بنيوية أخرى في الفيروس. وجد الباحثون أنه في حين تعرَّفت الخلايا التائية إلى كل الشظايا الفيروسية للبروتين الشوكي المستخدم في التلقيح، فإنها فشلت في التعرُّف إلى بعض شظايا البروتين.

لذا، يتكهن الباحثون بأنَّ عجز الخلايا التائية CD8+ عن الاستجابة للمتحور أوميكرون ربما يكون راجعًا إلى نقص التعرُّف إلى البيتيدات (مركبات الأحماض الأمينية) المتحورة. الواقع أنَّ حساباتهم النظرية تتوافق مع فرضية مفادها أنَّ التغيُّرات في تسلسل الأحماض الأمينية في بروتين أوميكرون الشوكي تشكِّل الأساس للنقاط العمياء المرصودة في قدرة الخلايا التائية على التعرُّف. ربما تفسِّر الاختلافات الموروثة في القدرة على التعرُّف إلى شظايا بروتينية بعينها فشل بعض الناس في تشكيل دفاعات مضادة للمتحوُّر أوميكرون. تشير تقديرات الباحثين إلى أنه "من المحتمل أن تكون سبل الحماية لدى هؤلاء الأفراد ضد المرض الشديد هزيلة".

يتمثَّل أحد الاستنتاجات الواقعية إذن في أنَّ المتحوِّر أوميكرون انجرف بعيدًا عن السلالة الأصلية، حتى إنَّ مجموعة الـ 20% في الدراسة قد لا يكون أفرادها محميون بشكل كامل سواءً ضد العدوى أو الإدخال إلى المستشفى أو الوفاة. ولكن بعد اكتشاف أنَّ جرعة ثالثة من اللقاح تزيد من استجابات الخلايا التائية بنحو عشرين ضعفًا أو أكثر، حتى بين أولئك الذي يستجيبون بشكل هزيل، يقدِّم لنا جايها رؤية أكثر تفاؤلًا. قال لي: "برغم أنَّ بروتين أوميكرون الشوكي كان قادرًا على مراوغة الخلايا التائية بين مجموعة فرعية من الأفراد، فقد تعلمنا أنَّ النقص في قدرة الخلايا التائية على التعرُّف يمكن التغلُّب عليه بالاستعانة بجرعة تنشيطية معززة من اللقاح. إضافة إلى هذا، وجدنا أنَّ البروتينات غير الشوكية قد تكون أهدافًا جذابة للقاحات الجيل الثاني للحماية ضد تطوُّر فيروس SARS-CoV-2 في المستقبل".

يتبنّى جايها التفسير المتفائل. لكن المتحور أوميكرون يحذرنا من أنَّ متحورات الفيروس SARS-CoV-2 في المستقبل ربما تتمكَّن من مراوغة سبل الحماية التي تقدمها الأجسام المضادة أو مناعة الخلايا التائية. لا يمكننا أن نتوقَّع ظهور متحوِّر قادر على التهرُّب من قدرة اللقاحات على توفير الحماية ضد العدوى والمرض الشديد، ولكن ينبغي لنا أن نكون مستعدين للتصدي لمثل هذا التهديد، خشية أن نظلَّ بلا حماية ضده.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

ويليام أ. هاسلتين عالِم ورائد أعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية، وخبير في الأمراض المعدية. وهو يشغل منصب رئيس مركز أبحاث الصحة العالمية ACCESS Health International.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org