ضرورة صعود تكنولوجيا الخدمات الصحية في إفريقيا

بقلم ستيفن أوغوينو

نيروبي- تعاني النظم الصحية في إفريقيا من أوجه قصور خطيرة. إذ تعاني البلدان في جميع أنحاء القارة من اضطرابات في سلاسل إمداد المعدات الطبية والأدوية، وتواجه صعوبات في المرحلة الأخيرة من عملية تقديم الخدمات الصحية، وفي تحليل البيانات الطبية وتخزينها، وفي التمويل. ولكن الابتكارات في مجال الطب عن بُعد، وفي صناعة الطائرات بدون طيار، وتحليلات البيانات الضخمة، والأجهزة التي يمكن ارتداؤها، وإدارة المعلومات، مكَّنت من إيجاد حلول فعّالة وبأسعار معقولة، تَعِدُ بتحسين الحصائل الإجمالية في مجال الصحة.

وفي السنوات الأخيرة، سجَّلت تكنولوجيا الخدمات الصحية في إفريقيا نموًّا مذهلاً؛ إذ تلقَّت أكثر من40  شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا الصحية في القارة تمويلًا من السلسلة (أ) في عام 2020 فقط. وتغطي الشركات التي أطلقت أخيرًا مجموعة من مجالات الصحة، بما في ذلك التسلسل الجيني، وشراء الأدوية، ومحو الأمية الصحية.

إنَّ فرص النمو هائلة، ولكن ازدهار شركات تكنولوجيا الخدمات الصحية يقتضي أن يدرس روّاد الأعمال حالات النجاح والإخفاق السابقة، لِيُحددوا ما ينجح وما لا ينجح من حلول في السياق الإفريقي.

تأسَّست شركةWisepil  (وايزبيل) في عام 2007، وهي واحدة من أولى قصص النجاح الإفريقية في مجال تكنولوجيا الخدمات الصحية. إذ طوَّرت الشركة جنوب الإفريقية حاوية تخزين تُنبِّه المستخدمين عبر أجهزتهم المحمولة في حال نسوا تناول أدويتهم، وتُخطر الأطباء أو الباحثين عند تناول حبوب منع الحمل. وأظهرت دراسات متعددة في جنوب إفريقيا وأوغندا أنَّ (وايزبيل) حسَّنت معدلات الالتزام بنُظم الأدوية إلى أكثر من 90٪.

ونجحت (وايزبيل) لأنها ظلَّت تُركِّز على المشكلة التي تريد حلها. إنَّ قصةMeditell (ميديتيل)، وهي شركة نيجيرية ناشئة في مجال تكنولوجيا الخدمات الصحية كانت تأمل أيضًا في تحسين الامتثال لنُظم لأدوية، تقدِّم عبرة تحذيرية بدرجة أكبر؛ إذ طوَّر مؤسِّسو (ميديتيل) برنامجًا من شأنه إرسال رسائل نصية من المستشفيات إلى المرضى لتذكيرهم بتناول أدويتهم. ولجذب الاهتمام بالمنتج، انخرط المؤسِّسون في مفاوضات معقَّدة مع أنظمة التأمين وشركات الأدوية. ونظرًا لأنَّ (ميديتيل) حاولت تعديل منتجها لتلبية طلبات هؤلاء العملاء المحتملين، ابتعدت كثيرًا عن هدفها الأولي، وفشلت في آخر المطاف.

بيد أنه يمكن لشركات تكنولوجيا الخدمات الصحية الإفريقية أن تتوسَّع إذا انطلقت بمشاريع صغرى، ونمت ببطء، واستجابت لعملائها. فقد بدأت برمجيات المعلومات الصحية الخاصة بالمناطق (DHIS) التي تدير البيانات الصحية، في تسجيل معلومات المريض على منصتها في ثلاث مناطق صغيرة في جنوب إفريقيا. ومع تزايد الاهتمام بالمنصة، عمل مبرمجو (DHIS) على توسيع ميزاتها وتحسين قابليتها للاستخدام في سياقات مختلفة. واليوم، تُعتمد المنصة في73 دولة.

وأظهر روّاد الأعمال الأفارقة في مجال تكنولوجيا الخدمات الصحية موهبة رائعة لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة لهم. إذ لم يكن الاتصال بالإنترنت منتشرًا على نطاق واسع في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أراد مؤسِّسوFrontline SMS (فرونتلاين إس إم إس) تحسين التواصل بين العاملين في مجال الصحة داخل المجتمعات المحلية وبين طاقم المستشفيات. وللتكيف مع قيود البنية التحتية، طوَّروا برنامجًا لتمرير المعلومات عبر تقنية الرسائل النصية البسيطة، التي يمكن استخدامها أيضًا لإرسال صور لعينات الدم المأخوذة بهاتف كاميرا أساسي، مما يسمح بتشخيص المرضى دون ذهابهم إلى العيادة.

وبعد أقل من جيل، بدأت هذه القيود المفروضة على شركات تكنولوجيا الخدمات الصحية الإفريقية تختفي بسرعة. إذ تتمتَّع إفريقيا اليوم بواحد من أسرع معدلات انتشار الهاتف المحمول والإنترنت نموًّا في العالم. فقد حفَّزت الاستجابة لـكوفيد-19 الابتكار والاستثمار في هذا القطاع. ومُوِّلَت تكنولوجيا الخدمات الصحية في إفريقيا في عام2020  أكثر من أي وقت مضى.

ويمكن للشركات الناشئة الإفريقية التي تنشط في مجال تكنولوجيا الخدمات الصحية أن تنمو بسرعة؛ لأنَّ أنظمة الرعاية الصحية في القارة غالبًا ما تواجه تحديات مماثلة. ومن السهل أن تكرِّر العديد من البلدان مشروعًا نجح في بلد واحد فقط. فعلى سبيل المثال، تلقَّت في الآونة الأخيرة، شركةmPharma  (إم فارما) الرائدة في مجال الخدمات الصحية عن بُعد، التي تأسَّست في غانا، تمويلًا لإنشاء100  عيادة افتراضية في سبعة أسواق جديدة.

ولتشجيع هذا النوع من الابتكار والنمو، يجب أن تطوّر الحكومات الإفريقية السياسات التي تشجِّع الابتكار في مجال تكنولوجيا الخدمات الصحية، وأن تدعمها. فعلى أي حال، هذا يعني تزويد المطورين بما يحتاجون إليه من قواعد واضحة وبيئة تشغيل مستقرة لجذب رأس المال "الصبور". ويجب أن تستخدم وزارات الصحة برامجها لدعم العمل الجاري إنجازه.

وينبغي أن يحدِّد مؤسِّسو الشركات الناشئة من جانبهم الثغرات وأوجه القصور التي يمكن معالجتها باستخدام التقنيات الجديدة. ولجذب المستخدمين ودعم الحكومات، يجب أن تركز شركات تكنولوجيا الخدمات الصحية الإفريقية حتمًا على الحلول التي تجعل تكنولوجيا الخدمات الصحية في المتناول وبأسعار معقولة، وأن تعمل باستمرار على تحسين الفوائد التي تعود على المستخدمين.

إنَّ مستقبل الرعاية الصحية في إفريقيا يعتمد على الابتكار. إذ يمكن أن يخلق اعتماد التكنولوجيا الجديدة فرصًا لتحسين محو الأمية الصحية، والوصول إلى الرعاية لجميع الأفارقة. لقد كان الوباء حافزًا لنمو تكنولوجيا الخدمات الصحية في القارة. والآن، ينبغي لروّاد الأعمال والحكومة الحفاظ على هذا الزخم.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

ستيفن أوغوينو هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Stowelink Inc، التي أطلقت أخيرًا تطبيق الهاتف المحمول، NCDs 365، لتوفير معلومات بشأن الأمراض غير المعدية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org