غير المطعمين وضحاياهم
بيتر سـنـجـر
ملبورن ــ أخيرًا، مُـنِـح نوفاك ديكوفيتش، لاعب التنس الأعلى تصنيفًا على مستوى العالم، إعفاًء طبيًّا للمشاركة في بطولة أستراليا المفتوحة. رفض ديكوفيتش، الذي فاز بهذه البطولة تسع مرات (فوز واحد آخر يجعله حائزًا اللقب في 21 بطولة كبرى، وهو رقم قياسي)، إظهار الدليل عل حصوله على التطعيم، وهو شرط لدخول أستراليا. قال ديكوفيتش لصحيفة Blic، وهي صحيفة صربية يومية: "لن أفصح عن حالتي سواء تلقيت التطعيم أو غير ذلك"، واصفًا الأمر بأنه "مسألة شخصية واستفسار غير لائق".
لكن أسرة دايل ويكس، الذي توفي الشهر الماضي عن عمر يناهز 78 عامًا، ستختلف معه في الرأي. كان ويكس مريضًا في مستشفى صغير في ريف ولاية أيوا، وكان يُـعـالَـج من خمج الدم. سعت إدارة المستشفى إلى نقله إلى مستشفى أكبر حيث من الممكن أن يخضع لجراحة، لكن ارتفاعًا مفاجئًا شديدًا في أعداد المرضى المصابين بمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، وجميعهم تقريبًا غير مطعمين، كان يعني عدم وجود أَسِـرَّة. واستغرق الأمر خمسة عشر يومًا للحصول عل تحويل، ولكن بحلول ذلك الوقت، كان الأوان قد فات.
أصبح ويكس واحدًا آخر من العديد من الضحايا غير المباشرين لجائحة كوفيد-19، أشخاص لم يصابوا بالفيروس مطلقًا، لكنهم ماتوا لأنَّ آخرين مصابين بالفيروس كانوا يستهلكون موارد الرعاية الصحية الشحيحة، وخاصة الأسِـرَّة في وحدات العناية المركزة. قالت ابنته: "أكثر ما يزعجني هو القرار الأناني الذي يتخذه الناس بعدم تلقي التطعيم وفشلهم في إدراك كيف يؤثر هذا القرار في مجموعة أكبر من الناس. هذا هو الجزء الذي يصعب استيعابه حقًّا".
في الشهر الماضي، كتب روب ديفيدسون، الطبيب في غرفة الطوارئ في مستشفى في ميتشيجان، مقالاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز قدم صورة شديدة الوضوح للحياة في مستشفى كان دائمًا عند المستوى الأقصى من طاقته الاستيعابية أو قريبًا منها لعدة أسابيع. كانت الغالبية العظمى من المرضى من المصابين بكوفيد-19، وكان 98% من أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية حرجة ممَّن لم يتلقوا التطعيم.
ما حدث لويكس كان يحدث في المستشفى حيث يعمل ديفيدسون أيضًا: فلم يكن من الممكن نقل أولئك الذين يحتاجون إلى علاج أكثر تخصُّصا إلى منشأة أكبر، لأنَّ كل مستشفى تقريبًا في المنطقة كان بالفعل ممتلئًا تمامًا أو قريبًا من ذلك. الواقع أنَّ ديفيدسون عاجز عن النظر إلى اختيار الامتناع عن تلقي التطعيم باعتباره مسألة شخصية، "فهو يتسبَّب في إجبار المرضى الذين يعانون من انفجار الزائدة الدودية وكسور في العظام على الانتظار لساعات في قسم الطوارئ حيث أعمل؛ ويؤدي إلى تأجيل عمليات جراحية لعدد لا يُـحـصى من الناس وإنهاك الأطباء والعاملين في التمريض".
كانت المعارضة قوية لتفويضات اللقاح ــ المعارضة التي زعمت أنها مضللة. مع متحورات سابقة، كان من المرجَّح أن ينقَل غير المطعمين العدوى لآخرين. ومع المتحوِّر أوميكرون الأشد عدوى، أصبح مدى تمكُّن اللقاحات الحالية من تقليل عدوى الفيروس وقدرته على الانتشار أقل وضوحًا. لكننا نعلم أنَّ التطعيم يقلِّل من شدة المرض، وبالتالي الحاجة إلى الإدخال إلى المستشفيات.
فيما يتصل بالموقف الذي وصفه ديفيدسون، والذي يعتقد أبناء ويكس أنه أدّى إلى وفاة والدهم، يتوافر حلٌّ مختلفٌ، حلٌّ يحترم قرارات أولئك الذين يختارون الامتناع عن تلقي التطعيم لكنه يلزمهم بتحمُّل العواقب المترتبة على اختيارهم. ينبغي للمستشفيات التي تبلغ أقصى مستويات استيعابها أو تقترب منه أن تحذر السكان الذين تخدمهم أنها بعد تاريخ معين ــ بعيدًا في المستقبل بالقدر الكافي لإتاحة الوقت الكافي للناس لتلقي التطعيم الكامل ــ ستعطي المرضى المطعمين الأولوية قبل المرض غير المطعمين المصابين بكوفيد-19.
بعد التاريخ المعلن، عندما يحتاج مريض بكوفيد-19 مطعم وآخر غير مطعم إلى آخر سرير متاح في وحدة الرعاية المركزة، يجب أن يحصل عليه المريض المطعم. وإذا أعطي آخر سرير في وحدة الرعاية المركزة إلى مريض غير مطعم لأنه في ذلك الوقت لم يكن هناك أي شخص آخر في احتياج إليه، ثمَّ وصل إلى المستشفى مريض مطعم في احتياجٍ أشدَّ أو متساوٍ لذلك السرير، فيجب أن يُـعاد تخصيص السرير للمريض المطعم.
قد يعترض المريض غير المطعم أو أسرته. لكن إذا كان هذا التحريك متفقًا مع سياسة معلنة مسبقًا، وأتيحت الفرصة للجميع لتلقّي التطعيم قبل إنفاذ هذه السياسة، فيتعيَّن على الأشخاص الذين يتخذون اختيارات من المحتمل أن تلحق الضرر بآخرين، والذين جرى تحذيرهم من تلك الاختيارات، أن يتحمّلوا المسؤولية عنها.
بطبيعة الحال، ينبغي للمستشفيات ذات القدرة الاستيعابية الكافية أن تستمرَّ في علاج المرضى غير المطعمين المصابين بكوفيد-19 على أفضل نحو ممكن. وعلى الرغم من الضغط الإضافي الذي تفرضه هذه الحال على العاملين في المستشفيات، ينبغي لكل شخص أن يتحلّى بالقدر الكافي من التعاطف لمحاولة إنقاذ الأرواح، حتى عندما يتخذ أولئك الذين يحتاجون إلى إنقاذ حياتهم اختيارات أنانية حمقاء.
يجب أن تكون الاستثناءات متاحة لأولئك المرضى القلائل الذين يُـعَـدُّ التطعيم ضارًّا بهم لأسباب طبية، ولكن ليس لأولئك الذين يدعون أنَّ لديهم أسبابًا دينية للإعفاء. لا يوجد أيُّ دين رئيس يرفض التطعيم، وإذا اختار بعض الناس تفسير معتقداتهم الدينية على أنها تلزمهم بتجنُّب التطعيم، فيجب أن يكونوا هم، وليس غيرهم، مَن يتحملون العواقب.
مثل هذه السياسة من المرجَّح أن تزيد من معدلات التطعيم، وهذا من شأنه أن يعود بالفائدة على غير المطعمين حاليًّا بقدر ما يعود على المطعمين، وأن ينقذ الأرواح، تمامًا كما أنقذت اللقاحات الإلزامية الأرواح من خلال زيادة عدد المطعمين. ولكن حتى لو لم تكن هذه السياسة كافية لإقناع المزيد من الناس بالحصول على التطعيم، فسوف يموت عدد أقل من الأشخاص بسبب ظروف صحية لا سيطرة لهم عليها؛ لأنَّ آخرين يعدون التطعيم "اختيارًا شخصيًّا"، ويرفضونه بأنانية، يستهلكون الموارد الشحيحة اللازمة لإنقاذ الأرواح.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
بيتر سِنجر أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة برينستون، ومؤسّس المنظمة الخيرية "الحياة التي يمكنك إنقاذها"، وهي مستوحاة من كتاب له يحمل ذات العنوان. من بين مؤلفاته الأخرى كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "أخلاق عملية"، وكتاب "الأخلاق في العالم الحقيقي".
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org