كـسـر احتكارات اللقاح الآن

ويني بيانيما

جنيف ــ في شهرنا هذا، كان العالَـم ليحتفل بانحسار جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، لولا استمرار الفصل العنصري في توزيع اللقاح والإنتاج المقيد في تغذية انتشار فيروس كورونا.

مَـرَّ عام على الموافقة على أول لقاحات كوفيد-19، الأمر الذي أعطانا الأمل في إمكانية تحرير البشرية من هذا المرض. لقد قام العلماء بدورهم من خلال ابتكار لقاحات آمنة وفعّالة بسرعة غير مسبوقة. لكن قادة العالم فشلوا في تسليم اللقاحات للجميع.

حَـذَّرَ خبراء الصحة العامة، وحكومات البلدان النامية، وتحالف اللقاحات الشعبي من أنَّ استمرار انخفاض تغطية التطعيم في أجزاء كبيرة من العالم من شأنه أن يخلق خطر ظهور متحورات جديدة من الفيروس ويؤدي إلى إطالة أمد الجائحة.

زعمنا أنَّ إنهاء الجائحة يتطلب تمكين البلدان النامية من صنع لقاحاتها. واستحثثنا البلدان الغنية على مشاركة حقوق تكنولوجيا تصنيع لقاحات وعلاجات كوفيد-19، على النحو الذي يزيل الحواجز في منظمة التجارة العالمية. وقد ردد هذه الدعوة قادة عالميون سابقون، وحائزون على جائزة نوبل، وعاملون في مجال التمريض، وفقهاء قانونيون، فضلًا عن الملايين من الأفراد.

لكن البلدان الغنية تجاهلت الدعوة، مُـذعِـنة للضغوط من جانب شركات الأدوية. على الرغم من حصولها على مبالغ ضخمة من التمويل العام لإنتاج اللقاحات، لا تزال هذه الشركات تُـمـلي شروط التوريد، والتوزيع، والتسعير. وتحقِّق شركات فايزر، ومودرنا، وبيونتِك وحدها أرباحًا قدرها 1000 دولار كل ثانية من لقاحات كوفيد-19.

أدى تقديم الأرباح على أي شيء آخر في الأهمية إلى حصول أقل من 4% من مواطني البلدان المنخفضة الدخل على التطعيم الكامل، مما خلق بيئة خصبة مثالية لظهور متحورات جديدة. وحتى وقتنا هذا، توفي ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص بسبب الفيروس حول العالم ــ وإن كانت بعض الحسابات تشير إلى عدد أعلى كثيرًا.

في إفريقيا، يختلط الألم بالغضب. فلا تزال القارة تفتقر إلى الحماية ــ حيث جرى تطعيم ربع العاملين الصحيين فقط بشكل كامل ــ في حين تستعد إفريقيا لظهور المزيد من المتحورات الجديدة. مثلي كمثل العديد من الأفارقة، فقدت أصدقاء وأفرادا من أسرتي بسبب هذا المرض. لم يعد الأقارب المنهكون في بلدي الأم أوغندا يعلنون عن الوفيات ــ ناهيك عن الإبلاغ عن حالات الإصابة. في إفريقيا، لم يُـكـشَـف عن سِـت من كل سبع حالات إصابة بكوفيد-19.

يبدو الأمر وكأننا عشنا هذه اللحظة من قبل. خلال الفترة من 1997 إلى 2006، توفي 12 مليون إفريقي بسبب فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز لأنَّ الاحتكارات الصيدلانية جعلت أسعار الأدوية المضادة للفيروسات أعلى كثيرًا من متناول البلدان الفقيرة. واستلزم الوصول إلى هذه الأدوية انطلاق حركة نشطة بدأت بأشخاص مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وتوسَّعت لتضم الجميع من الأطباء والزعماء الدينيين إلى نيلسون مانديلا. وفي النهاية، عملت الحكومات مع منتجي الأدوية غير المسجلة الملكية في الهند، وتايلاند، والبرازيل، وأماكن أخرى لكسر الاحتكار، وانخفضت أسعار أدوية فيروس نقص المناعة البشرية بنحو 99%.

تخيلوا معي لو استوعب العالم الدروس من هذا الظلم التاريخي. تخيلوا لو أنَّ قادة العالم اتفقوا قبل عام كامل على تعويض مطوري اللقاحات بسخاء، لكن دون منحهم حقوقًا حصرية. تخيلوا لو أنهم أصروا على إلزام الشركات المنتجة للقاحات بمشاركة أي صيغة ناجحة بشكل علني لو كانت راغبة في التأهل للحصول على عشرات المليارات من الدولارات من التمويل العام. تخيلوا لو أنهم وافقوا على تعويض المنتجين المؤهلين في كل مكان ــ في البلدان المتقدمة والنامية ــ مقابل تصنيع اللقاحات. تخيلوا لو أنَّ الحكومات بدأت في بناء قدرات التصنيع الإضافية الكافية في مختلف أنحاء العالم قبل أكثر من عام، بدلاً من الاعتماد على حفنة من احتكارات الشركات لإعادة توظيف قِـلة من المصانع.

إنها لكارثة أخلاقية أن يجني بعض الناس مليارات الدولارات بالاستحواذ على تكنولوجيا اللقاحات في حين يُـتـرَك المليارات من البشر دون حماية ويموت الملايين لأسباب يمكن تجنُّبها. يتعيَّن علينا أن نتخيَّل طريقًا مختلفًا، طريقًا يُـفضي إلى تطعيم العالم أجمع، والنجاح في التصدي للمتحورات المعروفة والتي قد تظهر في المستقبل، وتعزيز التعافي الاقتصادي العالمي العادل من الجائحة. وكما تمكَّن الرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت من كسر الاحتكارات الصناعية لمحاربة الطغيان والاستبداد في الحرب العالمية الثانية، تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد العالم في التغلب على الاحتكارات الصيدلانية لمحاربة كوفيد-19.

يتعيَّن على البلدان الغنية أن تزيد تبرعاتها من الجرعات الزائدة وإنهاء اكتناز اللقاحات. على الرغم من التصريحات المتكررة، لم تسلم البلدان الغنية حتى أكتوبر/ تشرين الأول سوى 14% فقط من 1.8 مليارات جرعة وعدت بتسليمها من اللقاحات (وهو عدد غير كاف بالفعل). هذه البلدان قادرة أيضًا على تسهيل المشتريات من اللقاحات. ولكن حتى عندما تشتري بلدان إفريقية إمدادات خاصة بها من اللقاحات ــ كما فعلت بوتسوانا، بشراء نصف مليون جرعة من شركة مودرنا بسعر 29 دولارًا للجرعة، أي أكثر مما تدفعه البلدان الغنية ــ فإنَّ الشركات تفشل غالبا في الوفاء بالتزامات التسليم.

لكن التبرعات والجهود الخيرية، على الرغم من كونها موضع ترحيب، لن تكون كافية أبدًا. لإنهاء الجائحة، يجب أن تحصل البلدان النامية على الحق والوصفات اللازمة لتصنيع إمدادات يمكنها التعويل عليها من اللقاحات الآمنة الـفَـعّـالة.

الواقع أنَّ حكومة الولايات المتحدة موَّلت وشاركت في تطوير اللقاح الذي تبيعه شركة مودرنا من خلال اتفاقية مع المعاهد الوطنية للصحة. وإذا أصبحت الدراية التصنيعية موضوع مشاركة مع منظمة الصحة العالمية من خلال مركزها لتصنيع لقاحات كوفيد-19 من الحمض النووي الريبي المرسال في جنوب إفريقيا، فسوف يصبح بوسع المصنعين المؤهلين في مختلف أنحاء العالم البدء بإنتاجها. حدد الخبراء أكثر من 100 شركة مؤهلة في إفريقيا، وآسيا، وأميركا اللاتينية لديها القدرة على إنتاج لقاحات كوفيد-19 من الحمض النووي الريبي المرسال.

يظل التنازل المؤقت المقترح عن الملكية الفكرية الذي يغطي جميع لقاحات كوفيد-19 وتكنولوجيات تصنيعها في منظمة الصحة العالمية يشكِّل شرطًا مُـسبقًا ضروريًّا لهزيمة الجائحة. يزيل التنازل الحواجز القانونية المعقدة التي تحول دون استعادة الحكومات لسلطة اختيار متى وكيف تعمل على إنفاذ سبل حماية براءات الاختراع. وقد يؤدي التنازل إلى إنهاء الاحتكارات العالمية من قِـبَـل شركات الدواء مع السماح بتعويضها.

كان الرئيس الأميركي جو بايدن محقًّا عندما قال إنَّ ظهور المتحور أوميكرون يؤكد أهمية الموافقة على التنازل. إنَّ الولايات المتحدة قادرة على استخدام نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي لدفع قوى ثرية أخرى إلى إنهاء معارضتها وتبني قرار من شأنه أن يعود بالفائدة على العالم بأسره.

نحن لا نملك تَـرَف إضاعة عام آخر. ومن خلال التضامن فقط يصبح بوسعنا إنهاء هذه الجائحة، وإنقاذ ملايين الأرواح.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

ويني بيانيما المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org