البيانات الموحدة الشاملة جوهر أي نظام للصحة العامة
ويليام أ. هاسلتين
مع استمرار جائحة فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19) في فرض تهديد واضح، وتزايد حالات الإصابة بمرض جدري القرود، إلى جانب الأوبئة الصحية المزمنة الحالية، أصبح بناء أنظمة صحة عامة قوية وسريعة الاستجابة أكثر أهمية من أي وقت مضى. لكن الأمر يتطلب تطوير إدارة فَـعّـالة للبيانات، وملاحقة الاستثمار المستدام والتدريب، وبناء الثقة من خلال التواصل الواضح والمشاركة المجتمعية. وهنا، أريد التركيز على مشكلة البيانات.
تشكل البيانات الصحية الموحدة الشاملة جوهر أي نظام للصحة العامة، سواء أكانت المهمة متمثلة في إدارة عمليات مراقبة الأمراض المعدية أم فهم الأسباب التي تجعل بعض الأمراض تؤثر على مجموعات بعينها من السكان أكثر من غيرها. وتُـعَـد البيانات الصحية الدقيقة التي يسهل الوصول إليها ضرورية لفهم المعلومات السريرية الواردة بشكل لحظي، ومنع الأخطاء الطبية، واتخاذ القرارات بشأن تدابير الصحة العامة قبل وأثناء وبعد أوقات الأزمات.
تعطلت استجابتنا لجائحة «كوفيد 19» بوضوح بسبب بُـطء عملية الإبلاغ عن بيانات الصحة العامة الحرجة وعدم اتساقها. في غياب معايير شاملة، تعتمد العديد من أنظمة الصحة العامة والممارسين على أشكال عتيقة من التواصل مثل الورق والفاكس، وهو ما لا يسمح بالمشاركة السريعة. بعد مرور أكثر من عامين منذ اندلعت الجائحة، لا نزال عاجزين عن الاعتماد بسهولة على أحدث البيانات للإجابة عن تساؤلات أساسية، مثل ما هو معدل الوفيات بـ «كوفيد 19» وفقاً للمتغيرات المرتبطة بالمرضى.
في الولايات المتحدة، خلص تقرير حديث صادر عن لجنة صندوق الكومنولث بشأن نظام الصحة العامة الوطني إلى أن 3 % فقط من إدارات الصحة المحلية أفادت أن أنظمة المعلومات جميعها قابلة للتشغيل البيني، وهو قصور يعيق العمل الوقائي اليومي والاستجابات المنسقة. ولأن أمريكا تدير نموذجاً فيدرالياً للصحة العامة، والذي يعتمد على جهود العشرات من إدارات الصحة الحكومية والإقليمية المختلفة، فإنها تفتقر إلى قدرات الأنظمة الوطنية الأكثر تكاملاً.
تدعو لجنة صندوق الكومنولث إلى إنشاء «نظام صحة عامة وطني حقاً يعمل يومياً، في ظل قيادة منسقة على المستوى الفيدرالي مع الاستعانة بقدرات متسقة على مستوى الولايات والمحليات». لكنها توخت الحرص في الاعتراف بأنه على الرغم من الحاجة إلى تنسيق وطني أفضل، يتعين على الإدارات الصحية على المستوى المحلي ومستوى الولايات أن تحافظ على مستوى سيطرتها الحالي، خصوصاً وأنها في نهاية المطاف تعرف مجتمعاتها بشكل أفضل من غيرها.
تتمثل إحدى طرق تحقيق هذا التوازن في تحديد معايير وطنية شاملة وملزمة لإدارة البيانات الصحية على المستوى المحلي ومستوى الولايات، بدلاً من تحفيز أشكال طوعية مجزأة لتبادل البيانات. على الرغم من تبادل البيانات بين المستشفيات وغيرها من جهات تقديم الرعاية الصحية طوال زمن الجائحة، فإن المعلومات التي أبلغت عنها تميل إلى عدم إمكانية ربطها عبر أنظمة مختلفة، بسبب استخدام تعريفات مختلفة وطرق مختلفة لجمع البيانات. وهذا يجعل حصول المتلقين على مستوى الولايات أو على المستوى الفيدرالي على البيانات الحالية وتجميعها وتحليلها أمراً بالغ الصعوبة ومهدراً للوقت.
بالتالي، بالإضافة إلى وضع معايير للبيانات، نحتاج إلى تطوير وتنفيذ أنظمة وطنية موحدة لجمع البيانات وتبادلها. وسوف يشمل هذا علامات تعريف عالمية شاملة للمرضى الأفراد والمستخدمين النهائيين، فضلاً عن بنية أساسية موحدة لدمج النتائج المختبرية من اختبارات مكافئة. نحتاج أيضاً إلى ضمان حصول الإدارات الصحية الـقَـبَـلية والمحلية وعلى مستوى الولايات على التمويل الثابت لتمكينها من المشاركة بشكل كامل في أي مبادرة من هذا القبيل.
لدينا دليل يؤكد قابلية هذا النهج للنجاح. على سبيل المثال، بسبب الجهود التي بذلتها إدارة أوباما، ارتفع عدد المستشفيات التي تستخدم سجلات إلكترونية من %9 في عام 2008 إلى %84 في عام 2015.
الواقع أن المشكلات المرتبطة بجمع البيانات، والتي أعاقت الاستجابة لجائحة «كوفيد 19» هي ذاتها التي تعيق الاستجابة لمرض جدري القرود، مما يبرز الحاجة الملحة إلى الإصلاحات. بينما شاركت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أخيراً نظرة عامة أولى على التركيبة السكانية في ما يتصل بحالات جدري القرود، فإن هذه الهيئة لديها معلومات تفصيلية عن نحو نصف الحالات المبلغ عنها فقط، لأن اتخاذ القرار بشأن مشاركة البيانات متروك تماماً للسلطات على مستوى الولايات.
ولكن حتى في الولايات التي لديها الدافع لمشاركة البيانات مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها نجد أن البنية الأساسية الحالية معيبة. فبرغم أن مراكز السيطرة على الأمراض لديها بيانات حول الكيفية التي جرى بها توزيع لقاحات جدري القرود بين الولايات، فإنها لا تملك بيانات حول من تم تطعيمهم، وليس لديها حتى الآن السلطة لجمع مثل هذه البيانات.
علاوة على ذلك، بينما تركز مراكز السيطرة على الأمراض على تحديث القدرة على الوصول إلى بيانات الأمراض ونتائج الاختبارات المعملية المسجلة، فإنها تقلل من الاستفادة من مصادر أخرى غنية للبيانات. تشمل هذه المصادر السجلات الخاصة بالزيارات، والإدخال إلى المستشفيات، والأدوية، والنتائج من دافعي الرسوم (بما في ذلك مراكز خدمات الرعاية الطبية المقدمة للمسنين (Medicare)، وخدمات الرعاية الطبية المقدمة للفقراء (Medicaid)، والأرقام المستمدة من أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية وتبادل المعلومات الصحية. في حين يشكل ضمان خصوصية المرضى أهمية بالغة، فإن هذه البيانات يمكن إخفاء هوية أصحابها لتسليط الضوء على الاتجاهات وتقديم رؤى قيمة في ما يتصل بقضايا الصحة العامة بما يتجاوز مراقبة الأمراض المعدية. على سبيل المثال، أتاح تبادل نظام الصحة في الهند إمكانية مراقبة ليس فقط اتجاهات الربو بين الأطفال على مستوى الدولة بالكامل، بل وأيضاً الزيادات الحادة في إصابات الرئة بين المراهقين بسبب تدخين السجائر الإلكترونية.
أخيراً، تستطيع إدارات الصحة العامة أيضاً أن تتبادل البيانات المجهلة الهوية مع إدارات حكومية أخرى ــ كتلك التي تشرف على الإسكان والتعليم ــ لفهم كيفية ارتباط المحددات الاجتماعية للصحة بمجموعة بعينها من السكان والاتجاهات السريرية.
الحق أن تنفيذ هذه التغييرات وتطوير قاعدة بيانات وطنية موحدة للصحة العامة يَـسـهُـل الوصول إليها من الممكن أن يعمل على تحويل ملايين النتائج الصحية وإنقاذ العديد من الأرواح. لكن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها. لذا، يجب أن يبدأ العمل على الفور.
* عالم ورائد أعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية وهو خبير الأمراض المعدية ويشغل منصب رئيس مجلس إدارة مركز أبحاث الصحة العالمية ACCESS Health International