تمويل الصحة العامة اليوم يغني عن الطبيب غداً
ويليام أ هاسيلتاين
مع استمرار كوفيد 19 كتهديد مستمر وتصاعد حالات جدري القرود بالإضافة إلى الأوبئة المزمنة الحالية، فإن بناء أنظمة صحة عامة قوية وسريعة الاستجابة أصبح أكثر أهمية مقارنة بأي وقت مضى، وبالإضافة إلى تحسين إدارة البيانات، فنحن بحاجة أيضاً إلى استثمار مستدام والتدريب فيما يتعلق بالعاملين في مجال الصحة العامة.لقد عانت الصحة العامة على الدوام من نقص التمويل المزمن وهذا يعود جزئياً إلى صعوبة تحديد الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للاستثمار في الرعاية الوقائية أو أنه يصعب رؤيتها بالنسبة للناس الذين لا يتمتعون بالتجربة في هذا الخصوص، وغالبًا ما تمر النجاحات في احتواء تفشي الأمراض أو تقليل معدلات الوفيات دون أن يلاحظها أحد، ولسوء الحظ غالبًا ما يتطلب الأمر حدوث فشل كبير في الوقاية لجعل صانعي السياسات والجمهور يدركون الحاجة إلى مزيد من التأهب والاستعداد.
ينفق الأمريكيون مبالغ أكبر بكثير على التكاليف الطبية مقارنة بالناس في دول غنية مشابهة ومع ذلك فإن العمر المتوقع لديهم ما يزال أقل، مع معدلات أعلى من الأمراض المزمنة ووفيات الأمهات، وعدد أقل من الأطباء لكل فرد. إن نقص الاستثمار في الصحة العامة بأمريكا هو السبب الرئيسي وراء ذلك، إن الباحثين الذين يقومون بتطوير علاجات السرطان لديهم قدرة أكبر على الوصول للتمويل مقارنة بأولئك الذين يعملون على الوقاية من السرطان.
أنت تدرك أن لديك نظامًا معيبًا عندما لا يمكنك حشد الاستثمارات التي سوف توفّر الكثير من النفقات المستقبلية - وهو بالضبط ما تقوم به معظم النفقات المتعلقة بالصحة العامة، فوفقًا لمراجعة منهجية لـ 52 تدخلاً نُشر في عام 2017 في مجلة علم الأوبئة وصحة المجتمع، وفّرت برامج حماية الصحة (بما في ذلك اللقاحات) 34 دولارًا بالمتوسط لكل دولار يتم إنفاقه عليها.
وعلى الرغم من هذا العائد الضخم على الاستثمار، وجد تحقيق لكايسر هيلث نيوز والاسوشيتيد برس في سنة 2020 إن التمويل لكل فرد فيما يتعلق بإدارات الصحة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية انخفض بنسبة 16% بين سنتي 2010 و2019 بينما انخفض الإنفاق لإدارات الصحة العامة بنسبة %18 وهذا يعني أن العديد من الإدارات الصحية كانت بالفعل في وضع سيئ للغاية عندما وصل كوفيد 19.
بينما استثمر الكونغرس بشكل كبير في الصحة العامة خلال الجائحة، لا يزال التمويل الفيدرالي يتبع دورة ازدهار وتقشف مألوفة حيث تنفق الحكومة الفيدرالية الأموال لمعالجة أزمة معينة، لكنها لن تحافظ على نفس المستوى من التمويل على الإطلاق بعد انتهاء حالة الطوارئ، وعادة ما يتم ترك الإدارات الصحية على المستوى المحلي ومستوى الولاية لاستخدام مواردها الخاصة من أجل الاستمرار في عملياتها وذلك حتى الأزمة القادمة والتي لن يكون لديها الموارد اللازمة من أجل الاستعداد لها.
نحن الآن ندخل في مرحلة تقشف جديدة حيث تقترب إدارات الصحة العامة من هاوية تمويل كوفيد 19، حيث إما تم إنفاق تمويل الطوارئ أو أن فترة إنفاقه شارفت على الانتهاء.
إن عدم وجود تمويل ثابت ويمكن التنبؤ به يعني أيضًا أن الإدارات الصحية لن تكون قادرة على توظيف القوى العاملة الماهرة والاحتفاظ بها والاستثمار فيها. تظل أموال الطوارئ من أجل التوظيف في بعض الأحيان بدون إنفاق لأن إدارات الصحة العامة المحلية حذرة من توظيف الأشخاص الذين سيصبحون بعد ذلك ثابتين في كشوف رواتبها بعد نفاد التمويل الإضافي. ونظراً لقيود التوظيف عادة ما تلجأ وكالات الصحة العامة بدلاً من ذلك وبكل بساطة إلى نقل الموظفين من أحد المجالات الصحية إلى مجال آخر.
لقد أوصت لجنة صندوق الكومنولث في تقرير رئيسي جديد بشأن نظام وطني للصحة العامة بأن يقدم الكونجرس مبلغ 4.5 مليارات دولار إضافي سنويًا كتمويل فيدرالي مضمون - وليس تقديري - للصحة العامة. سوف يغطي ذلك الفرق بين ما تنفقه الولايات المتحدة حاليًا على موظفي الصحة العامة (19 دولارًا للفرد) وما تحتاج إلى إنفاقه (32 دولارًا للفرد) ولكن هذا الرقم يعتمد بشكل أساسي على الأفراد، حيث من شبه المؤكد أن تكون هناك حاجة لزيادة ذلك المبلغ من أجل تغطية البنية التحتية الأساسية مثل المواد والمعدات والتدريب.
بالإضافة إلى ذلك، يوصي صندوق الكومنولث أيضًا بأن تُنشئ وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية نظامًا وطنيًا للتعليم المستمر والتدريب بالتنسيق مع المدارس وبرامج الصحة العامة والسلطات الصحية الحكومية والمحلية والقبلية والإقليمية كما يدعو التقرير إلى التدريب على الصحة العامة في الإدارات الأخرى لتشجيع التعاون ومعالجة قضايا مثل المحددات الاجتماعية للصحة.
غالبًا ما يتنافس تمويل الصحة العامة مع العديد من المطالب الأخرى بالنسبة للميزانيات الحكومية، ولكن من خلال الاستثمار في الموظفين والبنية التحتية القوية، يمكننا تقليل الأموال التي ننفقها على علاج الأمراض التي يمكن الوقاية منها بشكل كبير مما يؤدي في النهاية إلى توفير الأموال التي يمكن استخدامها لأغراض أخرى. والأهم من ذلك أنه يمكننا تطوير أنظمة يتم الإعداد لها بشكل جيد للسيطرة على تفشي الأمراض الناشئة ومعالجة الأمراض المزمنة المستمرة مما يمنح جميع المواطنين الفرصة للاستفادة من حياة أطول وأكثر صحة.
* عالم ورائد أعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية وخبير في الأمراض المعدية وهو رئيس مركز أبحاث الصحة العالمية