حان الوقت لتخفيف قيود السفر العالمية
بيتر بون، وسايمون جونسون
واشنطن العاصمة- إنَّ أي شخص يخاطر بزيارة كندا هذه الأيام يحتاج لأن يكون حذرًا؛ فالكنديون يهددون بالحبس لمدة ستة أشهر وبغرامات تصل لمبلغ 750 ألف دولار أمريكي لكل من ينتهك قواعد الفحص والحجر عند الوصول. وفي المملكة المتحدة حذَّر وزير الصحة بأنَّ المسافرين القادمين من خارج المملكة المتحدة يواجهون عقوبة السجن عشر سنوات في حالة عدم تسجيل مكان إقامتهم السابق بشكل صحيح على نماذج الدخول. لقد مددت إدارة بايدن أخيرًا الحظر التام الذي يمنع معظم غير الأمريكيين في أوروبا من السفر للولايات المتحدة الأمريكية مع تهديدات بالغرامات والإبعاد في حالة عدم الالتزام.
إنَّ هذه القيود المعقدة والتي تتغيَّر باستمرار تجعل السفر إلى الخارج مهمة صعبة بحق، حيث لا يزال الأقارب يموتون بدون زيارات من أحبائهم كما أنَّ الآباء معزولون عن أبنائهم، كما توجد هناك وظائف أقل في النشاطات المرتبطة بالسفر ولقد حان الوقت للتخفيف من تلك القواعد بطريقة مسؤولة.
إنَّ المخاطر من كوفيد -19 قد تغيَّرت بشكل دراماتيكي بفضل التطعيم. لقد أثبتت جميع اللقاحات المعتمدة من قِبل إدارة الطعام والأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها فعّالة بنسبة 95% في الوقاية من الوفيات، وأكثر من 90% في الوقاية من المرض الخطير بما في ذلك سلالة دلتا الأكثر عدوى. إنَّ اللقاح يقلل من النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة والتي تقيس الوفيات بين الناس المصابين من 0،41% إلى 0،2% (نظرًا لأنَّ النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة تختلف بشكل كبير طبقًا للعمر، نحسب هذه النسب من البيانات الرسمية حسب الفئة العمرية مع الأخذ بعين الاعتبار التركيبة العمرية لسكان الولايات المتحدة الأمريكية).
بالطبع، فإنَّ تطعيم الناس الأكثر عرضة للمرض بما في ذلك كبار السن أو أولئك الذين يعيشون في أماكن رعاية جماعية يجب أن يبقى على رأس أولويات العالم.
إنَّ لقاحات كوفيد-19 لا تمنع حدوث الإصابات بشكل كامل، ولكنها تسهم بشكل جيد في منع المرض الشديد علمًا أنه طبقًا لتقديرات المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها فإنَّ موسم الأنفلونزا 2019-2020 تسبّب في 38 مليون إصابة، مما نتج عنه 18 مليون زيارة طبية؛ 400 ألف حالة إدخال للمستشفيات و22 ألف وفاة. وهذا يعني أنَّ النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة تبلغ 0،06% بالنسبة للأنفلونزا، أي أكثر من ضعف النسبة الإجمالية للوفيات الناجمة عن الإصابة بالنسبة لكوفيد -19 عندما يتم تطعيم الناس الأكثر ضعفًا. لا تزال هناك أسئلة مفتوحة مهمة، بما في ذلك النسبة المئوية للأشخاص الذين قد يعانون أعراض كوفيد-19 الشديدة على المدى الطويل ولكن المخاطر الآن مماثلة للمخاطر الناجمة عن الأمراض التي نتعامل معها بالفعل.
لقد أثبت علماء الأوبئة بشكل مقنع أنَّ ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وتجنُّب الاتصال الشخصي بشكل عام يقلل من انتقال المرض. إنَّ المسافرين الدوليين القادمين لا يؤثرون سلبًا على الإطلاق في هذه النتيجة، فلو تمكَّنا من وقف انتشار المرض فعندئذ لن يكون للقادمين الجدد الذين يلتزمون بقواعدنا أي تأثير يذكر.
لقد وصل وغادر 241 مليون شخص الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الجو سنة 2019، مما يوحي أنه بالمعدل دخل 330 ألف مسافر للبلاد كل يوم. لو جاء كل هؤلاء المسافرين الذين يبلغ عددهم 330 ألف مسافر تقريبًا من بلدان تقترب من ذروة دورة العدوى ومع ذلك صعد جميع المسافرين الذين يعانون الأعراض للطائرة، فإنَّ نحو 1% من هؤلاء المسافرين (3300 شخص) سوف يكونون مصابين.
لقد سجَّلت الولايات المتحدة الأمريكية نحو 35 مليون إصابة في الأيام الخمسمائة الأولى تقريبًا منذ بداية الجائحة، مما يوحي بأنَّ هناك 70 ألف إصابة جديدة بالمعدل كل يوم علمًا أنَّ الرقم الحقيقي ربما ضعف ذلك بسبب الإصابات التي لا يتم الكشف عنها؛ بسبب عدم وجود أعراض. لو كان وجود نحو 140 ألف إصابة جديدة باليوم ذات منشأ محلي يعدُّ تقديراً منطقياً فإنَّ إضافة نحو 3300 إصابة جديدة هو رقم بسيط للغاية.
وعلى الرغم من أنَّ المسافرين على متن الطائرات ينقلون العدوى بشكل محدود (مقارنة بحجم السكان في البلدان الكبيرة)، فقد يجادل البعض بأنَّ السفر جوًّا هو أرض خصبة للعدوى، وعليه يجب حظره لهذا السبب. إنَّ مما لا شكَّ فيه أنَّ السفر في أماكن محصورة يعدُّ مخاطرة ولكن هذه المخاطرة تنطبق كذلك على نشاطات أخرى كثيرة مثل الأكل في المطاعم والسباحة في بركة سباحة ودعوة الأصدقاء لمنزلك وزيارة متحف للفنون... إلخ. لا يوجد سبب وجيه لعزل السفر الجوي الدولي باعتباره النشاط الوحيد الذي يجب تقييده بشدة حيث يبدو أنَّ اتخاذ التدابير اللازمة لجعل السفر الجوي أكثر أمانًا هو الخيار الأكثر منطقية إلى حدٍّ كبير.
إنَّ الرغبة في منع وصول سلالات جديدة محتملة من المرض هو أمر يمكن تفهمه ولكنه غير منطقي، حيث لا يوجد سوى عدد قليل من البلدان التي تمكَّنت من تحقيق نتيجة تقترب من الصفر فيما يتعلق بالكوفيد – وخاصة الدول التي هي عبارة عن جزر مثل نيوزيلندا وأستراليا. إن معظم الحدود يمكن اختراقها بشكل أسهل بكثير. ليس الأشخاص الذين يزورون أقاربهم هم المسؤولون عن انتشار جميع السلالات، بل هي رغبتنا في النبيذ الفرنسي والزيتون اليوناني وشراب القيقب الكندي والمخدرات غير المشروعة.
إن نحو 30 ألف شاحنة تقريبًا تعبر الحدود الأمريكية-الكندية يوميًّا، و18 ألف شاحنة أخرى تسافر بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك. وبالمثل فإنَّ نحو 10 آلاف شاحنة تعبر الحدود البريطانية يوميًّا، كما أنَّ الشحن الجوي والبحري يؤدي لزيادة الاتصالات بشكل أكبر. سيتطلَّب الحفاظ على سياسة المتغير الصفري حجر جميع السائقين والطيارين وغيرهم من الموظفين، إضافة إلى وقف جميع المشاة وسيارات الركاب وحركة المرور الأخرى وستكون النتيجة المزيد من انقطاع الإمدادات وارتفاع الأسعار (لمواد البناء والطعام والمركبات وغيرها) وفقدان الوظائف، علمًا أنه لا يوجد دعم سياسي لمثل تلك السياسة.
يجب أن نتوقَّف عن الادعاء بأنَّ السفر الدولي مشكلة. إنَّ اللقاحات والعلاجات تبقي على السلالات تحت السيطرة، ولكن يجب علينا أن نستمرَّ في تمويل الأعمال الواعدة المتعلقة بالجرعات المنشطة واللقاحات الجديدة والأدوية والعلاج النهائي المحتمل. إنَّ الاستماع إلى النصائح المتعلقة بالصحة العامة يعدُّ أمرًا مهمًّا، ولكن يجب على صنّاع السياسات لدينا أن يركّزوا أيضًا على ما يهم حقًّا.
بيتر بون، رئيس قسم التدخل الفعّال في مركز الأداء الاقتصادي بكلية لندن للاقتصاد. سايمون جونسون، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأيضًا رئيس مشارك لتحالف سياسة كوفيد-19، ومؤلِّف مشارك مع جوناثان جروبر لكتاب إعادة تشغيل أمريكا: كيف يمكن للاختراقات العلمية إعادة إحياء النمو الاقتصادي والحلم الأمريكي.
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2021
www.project-syndicate.org