توقَّفوا عن التضحية بالعاملين في مجال الرعاية
بقلم سايمون جونسون ولاريسا ج. لوكاس
واشنطن العاصمة- بعد جائحة استمرَّت لعامين كاملين، أضِف إلى ذلك تزايد حالات متغيِّر أوميكرون، وعدم اليقين بشأن المستقبل، ثمة رغبة مفهومة في إلقاء اللوم على جهة ما بسبب حصيلة وفيات كوفيد-19 المروعة. وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأماكن أخرى، توجَّه أصابع الاتهام بصورة متزايدة إلى العاملين في دور رعاية المسنين. وكما تقول إحدى الدراسات البارزة الحديثة، "يعدُّ طاقم دور التمريض مصدرًا لعدوى فيروس كورونا2 (SARS-CoV-2) في دور رعاية المسنين".
إنَّ تصريحاتٍ كهذه ليست فقط غير عادلة على المستوى الفردي؛ بل هي أيضًا طريقة خاطئة للتفكير في كيفية تجنُّب الوفيات في المستقبل. وسيكون من الأفضل بكثير مواجهة مسؤولياتنا الاجتماعية ذات النطاق الأوسع، والنظر في مصادر أخرى تنشر الفيروس مثل المستشفيات وزوّار دور رعاية المسنين، وإنفاق المزيد من الموارد لبناء الثقة بأنظمة الصحة العامة.
ويعيش الناس في دور رعاية المسنين لأنهم لايملكون الخيار، أو لأنهم يتعافون من الجراحة (غالبًا ما تزيد أعمار هؤلاء الأشخاص عن80 عامًا، بعد تعرضهم لحادث انزلاق أوسقوط)، أو لأنَّ حالتهم الصحية طويلة الأمد وتتطلَّب مراقبة طبية مستمرة. ويحتاج المقيمون في دور رعاية المسنين إلى رعاية يومية تُقدِّمها الممرضات المدربات، والموظفون المهرة الآخرون. ودائمًا ما يكون هذا العمل شاقًّا، وعندما تظهر جائحة يصبح خطيرًا أيضًا.
وبذل معظم العاملين في دور رعاية المسنين جهودًا كبيرة لحماية أنفسهم وأسرهم والأشخاص الذين يقومون برعايتهم. لكن تذكر أنه في بداية الوباء، لم يكن ممكنًا تزويدهم حتى بأقنعة مناسبة. كما أنَّ دور رعاية المسنين كانت من الأولويات الثانوية فيما يتعلَّق بتلقي اختبارات منتظمة لكوفيد-19.
وحتى بعد معالجة هذا النقص في الموارد وزيادة الأجور (من مستوياتها المنخفضة في البداية)، لا تزال العديد من دور رعاية المسنين تفتقر إلى الموظفين. وينبغي معاملة الأشخاص الذين يذهبون إلى العمل هناك معاملة الأبطال، وتزويدهم بكل أشكال الحماية، بما في ذلك المساعدة في التنقُّل الآمن وترتيبات المعيشة الآمنة. إنَّ زيادة رواتبهم أكثر ستكون خطوة مناسبة في الاتجاه الصحيح.
إنَّ الزائرين مهمون للغاية بالنسبة لنزلاء دور رعاية المسنين. فقد كانت متطلبات العزلة شبه الكاملة لعام2020 مدمرة بطرق لا تُعَدُّ ولا تحصى. ومع ذلك، يجب تمكين دور رعاية المسنين حتى تتمكَّن من فرز الزيارات وتقييدها عندما لا تكون آمنة لنزلائها المعرضين للإصابة بالعدوى. ومع ارتفاع أرقام حالات الإصابة بأوميكرون إلى أرقام جديدة، يشكِّل الزائرون غير الملقحين والمصابين بفيروس كوفيد حاليًّا تهديدًا خطيرًا لدور رعاية المسنين.
وتُعَدُّ المستشفيات أهمَّ عنصر في أيِّ نظام صحي، وقد بذلت البلدان جهودًا كبيرة- بما في ذلك القيام بعمليات الإغلاق المكلفة- للحفاظ على عملها. ولكن المستشفيات غالبًا ما تخضع لمعايير مختلفة (أقل صرامة) من تلك التي تعتمدها دور رعاية المسنين فيما يتعلَّق باستخدام معدات الحماية الشخصية، واختبار الموظفين، والمرضى والزوّار. ويحتاج مدى مكافحة العدوى، حتى في المستشفيات الكبرى، إلى مستوى الفحص نفسه الذي تعتمده دور رعاية المسنين. ويحتاج أيُّ نظام صحي يعمل بصورة جيدة إلى ضمان سلامة كلا النوعين من المرافق.
ومن الواضح أننا نريد جميعًا أن يختفي الوباء. وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي زيادة معدل التطعيم، والتأكُّد من أنَّ أخذ المعززات، عند الاقتضاء، مرتفع قدر الإمكان. وتُعَدُّ المعدلات في ولاية ماساتشوستس الأمريكية مشجعة، بما في ذلك معدلات التطعيم الشامل لموظفي دور رعاية المسنين، وتسجيلها لأعلى معدل للمعززات في البلاد.
وكانت دور رعاية المسنين في (ماساتشوستس) محظوظة لإدراجها في مبادرة اختبار كوفيد-19 التجريبية، التي قام بها معهد (برود)، في وقت مبكر من إبريل/ نيسان عام 2020. فقد أدّى ذلك إلى فهم أكبر لانتشار الأعراض وتحسين السيطرة على العدوى في جميع أنحاء الولاية. وبحلول غشت (آب2020)، كانت بروتوكولات الاختبار العالمية لدور رعاية المسنين سارية بدعم مالي ولوجستيكي من وزارة الصحة العامة بالولاية.
وفي الوقت الراهن، يجب أن يخضع جميع العاملين والمتعاقدين في دار رعاية المسنين في (ماساتشوستس لاختبارPCR تفاعل البولميراز المتسلسل) مرّة كل أسبوع، وعندما يتم الكشف عن حالة ما، يخضع جميع الموظفين والنزلاء لاختبار كل ثلاثة أيام. وتزود دور رعاية المسنين بالولاية أيضًا باختبارات سريعة للكشف عن المستضدات، بل وتشجّع على استخدامها. وإضافة إلى التطعيم الشامل، فإنَّ إجبارية ارتداء الكمامات تحمي الموظفين والنزلاء. وساعدت هذه الإجراءات، بقدر الإمكان، على القضاء على احتمالية نقل الموظفين للعدوى إلى نزلاء دور الرعاية.
ولكن ماذا عن أي شخص آخر في المجتمع؟ إنَّ جميع العاملين في دور الرعاية وفي المستشفيات، وزوَّار نزلاء المستشفيات ودور رعاية المسنين، يصابون بالعدوى بالدرجة الأولى، من الأصدقاء والعائلة، الذين يتفاعلون معهم في الداخل، ولا سيما أثناء وجبات الطعام.
ويسهم أي شخص لم يتلقَّ التطعيم في انتشار الفيروس في المجتمع، ويزيد من احتمال وصول فيروس كورونا إلى الأشخاص المعرضين للإصابة بالعدوى، سواء في دور الرعاية أو في أي مكان آخر. كما أنَّ لانتشار الفيروس تأثير اقتصادي كبير حيث يؤدي التعرض والعدوى إلى تفاقم نقص العمالة، بما في ذلك العاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع المناطق؟ وفي الواقع، يتمثَّل التهديد الأكبر الحالي للنزلاء المعرضين لخطر الإصابة في نقص الموظفين الذين سيتولون رعايتهم.
لقد أربكت المعلومات المضللة ونقص المعلومات بشأن قيمة اللقاحات وسلامتها الناس، مما عرَّض حياة العاملين في دور رعاية المسنين والأشخاص المستضعفين للخطر في كل مكان. إنَّ إلقاء اللوم على أولئك الموجودين في الخطوط الأمامية للرعاية يبرز- بل ويعقِّد- الفشل الواسع النطاق لعامة الناس وصانعي السياسات، في أخذ مسؤولياتهم على محمل الجد والتصرُّف وفقًا لذلك.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
سيمون جونسون، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ورئيس مشارك لتحالف سياسة كوفيد-19. وهو المؤلف المشارك، مع جوناثان غروبر، لكتاب Jump-Start America: How Breakthrough Science Can Revive Economic Growth and the American Dream. لاريسا جي لوكاس هي المديرة الطبية للرعاية الممتدة في مجموعة أطباء (نورث شور).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org