حتمية مضاعفة جهود إنتاج اللقاحات
جيفري ساكس
نيويورك ــ يقف العالم عند منعطف حاسم في التصدي لجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19). فالبلدان التي تفتقر إلى الموارد اللازمة لاستكمال الجولة الأولى من تغطية اللقاحات معرضة بشكل غير عادي للمتحور دلتا الشديد العدوى، وهي أيضًا حاضنة لمتحورات جديدة قد تنتشر بسرعة إلى مختلف أنحاء العالم. والآن، تعمل لجنة لانسيت المعنية بجائحة كوفيد-19، التي أتولى رئاستها، بشكل عاجل مع منظمة الأمم المتحدة لتعزيز الاستجابة المتعددة الأطراف. ويتعيَّن على حكومات البلدان التي تنتج اللقاحات ــ الولايات المتحدة، وبلدان الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والهند، وروسيا، والصين ــ أن تتعاون تحت قيادة الأمم المتحدة لضمان وصول القدر الكافي من الإمدادات من جرعات اللقاح إلى البلدان الأكثر فقرًا.
حتى الآن، حصنت البلدان المرتفعة الدخل أكثر من 50% من سكانها بشكل كامل. مع ذلك، تظل نسبة السكان المطعمين باللقاح بشكل كامل في إفريقيا أقل من 4%. يفرض هذا النقص في تغطية اللقاح في إفريقيا، والبلدان المنخفضة الدخل في أماكن أخرى، خطرًا داهمًا على هؤلاء السكان.
دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى عقد قمة بشأن اللقاحات في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول. وربما تكون هذه خطوة بالغة الأهمية إلى الأمام. من الأهمية بمكان أن تعقد الولايات المتحدة هذا الاجتماع بالتعاون مع الصين، والهند، وروسيا، وغيرها من البلدان المنتجة للقاحات، ومنظمة الأمم المتحدة. إنَّ الأمم المتحدة فقط، مع عضويتها العالمية وقدرتها التشغيلية في البلدان المنخفضة الدخل، لديها القدرة على تنسيق التوسع العالمي السريع في تغطية اللقاحات.
في إبريل/نيسان من عام 2020، أنشأت الأمم المتحدة مرفق الوصول العالمي إلى لقاح كوفيد-19 (كوفاكس) لتوفير اللقاحات للبلدان الأقل دخلًا. توقَّعت هذه البلدان أن يزودها مرفق كوفاكس باللقاحات في الوقت المناسب. غير أنَّ المرفق عجز عن شراء الكمية الكافية من جرعات اللقاح في الأساس؛ لأنَّ البلدان المرتفعة الدخل دأبت على تخطي الجميع إلى مقدمة طابور الانتظار. علاوة على ذلك، فرضت حكومات الدول المنتجة للقاحات حصصا للتصدير بحيث لا يتمكَّن مرفق كوفاكس في الأغلب الأعم من تأمين حتى اللقاحات التي تعاقد عليها. وبطبيعة الحال، تلقى هذه الترتيبات القبول من جانب المساهمين في شركات إنتاج اللقاحات، لأنَّ الدول الغنية تدفع مقابل الجرعات أكثر مما قد يدفعه مرفق كوفاكس.
لن تُـحَـل أزمة العرض التي تواجه البلدان المنخفضة الدخل في إفريقيا وأماكن أخرى من تلقاء ذاتها. على العكس من ذلك، بدأت البلدان المرتفعة الدخل الآن تقديم جرعة ثالثة، حتى قبل أن تتلقى المجموعات المعرضة بشدة للخطر في البلدان الأكثر فقرًا (كبار السن، والعمال الصحيون، ومَن يعانون من نقص المناعة، وغيرهم) التطعيم الأولي.
كما يتسبَّب إصرار بعض الحكومات المستمر على فرض براءات الاختراع على تكنولوجيات اللقاح الأساسية، حتى برغم أنَّ براءات الاختراع هذه مملوكة لمؤسَّسات أكاديمية كانت تمولها الحكومات (وخاصة معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة)، في إعاقة الفرص العالمية للتوسع في إنتاج اللقاحات. على نحو مماثل، موَّلت أموال عامة التجارب السريرية والطرح الأولي للقاحات. وعلى الرغم من الضرورة العاجلة التي تفرضها الجائحة، كان مصير السلع العامة المنقذة للحياة الخصخصة.
حددت منظمة الصحة العالمية أهدافًا كحد أدنى لتغطية اللقاحات في كل بلد ــ 10% على الأقل من السكان بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2021، و40% بحلول نهاية 2021، و70% بحلول نهاية يونيو/حزيران 2022 ــ لن يتمكَّن نظام تخصيص اللقاحات الحالي من تلبيتها. في هذه اللحظة التي تنطوي على مخاطر عالمية كبرى، ينبغي لحكومات البلدان المنتجة للقاحات أن تتخذ الخطوات التالية:
أولًا، عندما تجتمع الحكومات هذا الأسبوع في قمة اللقاحات التي يعقدها بايدن، ينبغي لها أن تعكف على رسم المسار إلى تحقيق أهداف منظمة الصحة العالمية في جميع البلدان، بما في ذلك التغطية العالمية بنسبة 40% بحلول نهاية هذا العام. ويجب أن يتعاون منتجو اللقاحات بشكل كامل من خلال الكشف عن كل الطلبات القائمة (والأسعار) على دفاترها، حتى تتمكَّن الأمم المتحدة والحكومات من إعطاء الأولوية للبلدان التي تنقصها الخدمة.
ثانيًا، يتعين على منظمة الأمم المتحدة، بالاستعانة بالدعم الكامل من جانب الحكومات والشركات، أن تعمل على وضع جداول زمنية لتسليم اللقاحات لكل دولة منخفضة الدخل بما يتماشى مع أهداف منظمة الصحة العالمية. ويجب أن تعمل منظمة الصحة العالمية ومرفق كوفاكس، وهيئات الأمم المتحدة الأخرى مثل اليونيسيف، مع البلدان المتلقية لمضاعفة الجهود في إطار أنظمة نشر "الميل الأخير" لوصول جرعات اللقاحات.
ثالثًا، يجب استخدام تخصيص حقوق السحب الخاصة الأخير بقيمة 650 مليار دولار، الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي للتو، لضمان عدم تسبب قيود التمويل القصيرة الأجل في وضع أي عقبات أمام توفير اللقاحات.
رابعًا، يجب أن توافق حكومات الدول المنتجة للقاحات، بما يتماشى مع الاتفاقيات التجارية بشأن الصحة العامة، على التنازل عن حقوق الملكية الفكرية وتعزيز تبادل التكنولوجيا من أجل زيادة الإنتاج العالمي من اللقاحات. من الأهمية بمكان أيضًا دعم اللقاحات الواعدة التي لا تزال في مرحلة التجارب السريرية من خلال التمويل الرسمي للإنتاج السريع والنشر بمجرد الحصول على الموفقات التنظيمية.
أخيرًا، يتعين على الحكومات في كل البلدان أن توضح لعامة الناس أنَّ اللقاحات ليست فعّالة في حد ذاتها بالقدر الكافي لـمنع انتقال فيروس كورونا عبر الأنشطة المجتمعية. وتظل الحاجة قائمة إلى تدابير إضافية في مجال الصحة العامة ــ بما في ذلك أقنعة الوجه، والتباعد البدني، وتتبع المخالطين، وفرض القيود على التجمعات في الأماكن المغلقة.
الخلاصة هي أننا يجب أن نتعامل مع تغطية اللقاحات الشاملة على أنها منفعة عامة عالمية مطلوبة بشدة، وليس باعتبارها نتيجة نهائية لقوى السوق. ومن الممكن أن توفر قمة اللقاحات التي يعقدها بايدن هذا الأسبوع الاختراق الحيوي الذي نحتاج إليه، من خلال تمكين الأمم المتحدة بتوفير جرعات اللقاح والتمويل الذي تحتاج إليه لضمان تحصين الجميع.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
جيفري ساكس أستاذ في جامعة كولومبيا، ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، ورئيس شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org