التبرع المبني على المشاعر والفعّالية

بيتر سنجر ولوسيوس كافيولا

ملبورن / كمبريدج - يتبرع الناس في جميع أنحاء العالم بمئات المليارات من الدولارات للجمعيات  الخيرية. في الولايات المتحدة وحدها، بلغت التبرعات الخيرية نحو 450 مليار دولار في العام الماضي. مع اقتراب نهاية عام 2020، ربما أنت تُفكر أو أفراد أسرتك في التبرع للمؤسَّسات الخيرية. لكن هناك ملايين المؤسَّسات الخيرية. أيها ستختار؟

إذا كُنت مثل معظم الناس، فقد ترغب في دعم الجمعيات الخيرية التي تعني شيئاً بالنسبة إليك - والتي تُخاطب قلبك. ربما تختار مؤسَّسة خيرية تُساعد الأطفال في مُجتمعك، أو ملجأً محلياً للمشردين تطوعتَ للخدمة فيه، أو ربما متحفاً يُعجبك، أو مكاناً للعبادة تريد إظهار الدعم له. في الولايات المتحدة، تتوجَّه 94٪ من التبرعات إلى المؤسسات الخيرية التي تُركز على القضايا المحلية أو الوطنية.

من المحتمل أن يكون التبرع لجمعية خيرية تجذب اهتمامك أفضل من عدم التبرع على الإطلاق. والواقع أنَّ عدداً قليلاً من المؤسَّسات الخيرية تقوم بعمليات احتيال صريحة. المشكلة الأكبر هي أنَّ اتباع قلبك يتجاهل البحث عن الجمعيات الخيرية الأكثر فاعلية. مُقابل التبرعات التي تُقدمها، يمكن للمؤسسات الخيرية القيام بأداء أفضل بكثير مُقارنة بالجمعيات الخيرية النموذجية، وذلك من خلال إنقاذ أو تحسين حياة العديد من الأفراد.

عادةً ما تُساعد الجمعيات الخيرية الأكثر فاعلية الأشخاص الأكثر فقراً في البلدان الأقل نمواً في العالم. على سبيل المثال، تُشير تقديرات خبير التقييم في مؤسسة "جيف ويل" الخيرية أنَّ اتحاد الملاريا، وهو واحد من أكبر الجمعيات الخيرية في البلدان المنخفضة الدخل المعرضة لخطر الإصابة بالملاريا، يمكنه توفير أربعة أشهر من العلاج الوقائي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 59 شهراً مقابل أقل من 7 دولارات لكل طفل. في المتوسط، هذا ينقذ حياة فرد واحد بتكلفة تتراوح ما بين 3000 و 5000 دولاراً.

من ناحية أخرى، تُنفق إحدى المؤسسَّات الخيرية في الولايات المتحدة - والتي تعدها مؤسَّسة جيف ويل واعدة، في ظل "برنامج المعرفة هي القوة" - ما بين 9000 و 20.000 دولار أمريكي لتحسين الأداء الأكاديمي لطالب واحد لمدة عام واحد. قد يكون تحسين الأداء الأكاديمي لمدة عام أمراً مهماً، ولكن عندما يُكلف ذلك ثلاثة أو أربعة أضعاف تكلفة إنقاذ حياة، فمن الواضح أنه لا يعطي قيمة مُماثلة لتبرعك.

نظراً للاختلافات الواضحة في الفعالية، فإنَّ اختيار المؤسسة الخيرية التي تدعمها يُشكِّل أهمية كبيرة. يقدِّر الخبراء أنه حتى في مجال مساعدة أفقر الناس في العالم، فإنَّ المؤسسات الخيرية الأكثر فاعلية تقوم بأداء أفضل 100 مرة مقابل مبلغ مُعين مقارنة بالمؤسَّسات الخيرية ذات الفاعلية من حيث التكلفة المتوسطة. إذا كان الخبراء مُحقون في ذلك، فإن منح 100 دولار للجمعيات الخيرية الأكثر فاعلية لمساعدة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع يمكن أن يُحقِّق فوائد أكبر من التبرع بمبلغ 9000 دولار لجمعية خيرية نموذجية تحاول القيام بنفس الشيء.

تُعدُّ طريقة التفكير هذه شكلاً من أشكال الإيثار الفعّال. يُجادل المؤثرون الفعالون بأنه عندما نقوم بالتبرع، يجب أن نحاول الحصول على أفضل قيمة لأموالنا، كما نفعل عندما نتسوق لأنفسنا.

في الواقع، من شأن تبرع الجميع للمؤسسات الخيرية على أساس الفعّالية أن يُحدث فرقاً كبيراً ويُعالج العديد من التحديات العالمية. لكن من غير الواقعي أن نتوقع حدوث ذلك في أي وقت قريب، لأن العطاء بالنسبة لمعظم الناس هو أمر عاطفي للغاية. ولسوء الحظ، فإنَّ عواطفنا لا تتناسب مع عدد الأفراد الذين يمكنُنا مساعدتهم.

إنَّ مساعدة 100 شخص لا يُثير شعوراً أفضل 100 مرة من مساعدة شخص واحد. كما أنَّ مساعدة شخص ما على الجانب الآخر من العالم لا يُشعرك بسعادة مثل التي تشعر بها عند مساعدة شخص في مكان قريب - خاصة عندما نتمكَّن من تحديد الشخص الذي نساعده، مثل طفل مريض نُشاهده صورته. نظراً إلى هذه العقبات، ما الذي يمكننا فعله لجعل العطاء الفعال أكثر جاذبية؟

تُقدم منصة تبرع جديدة حلاً فعّالاً. يُشجعك موقع "GivingMultiplier.org" على تقسيم تبرعاتك. يُخصص جزء منها لمؤسَّستك الخيرية المفضلة - المؤسَّسة التي تهتم بها شخصياً بشكل أكبر. يُوَجه الجزء الآخر إلى جمعية خيرية فعّالة للغاية أوصى بها الخبراء. ومن أجلِ رفعِ مساهماتك، تُساعدُ منصة "Giving Multiplier" في زيادة حجم هذه التبرعات. يتمُّ توفير الأموال الإضافية من قِبل المحسنين الذين يرغبون في تشجيع المزيد من الناس على التبرع بشكل فعّال.

لماذا تنجح هذه الاستراتيجية البسيطة؟ لاحظ لوسيوس كافيولا - الذي يعمل مع جوشوا جرين، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد - أنَّ الناس يشعرون بنفس القدر من الرضا عندما يتبرعون بمبلغ 50 دولاراً بدلاً من 100 دولار لصالح مؤسَّستهم الخيرية المفضّلة. لذلك، لا ينبغي للمانحين أن يخسروا الكثير من خلال التبرع بنصف المبلغ فقط لمؤسَّستهم الخيرية المفضلة، مما يسمح لهم بمنح النصف الآخر لجمعية خيرية فعّالة للغاية - وهو ما يجده الناس منطقيًّا ومُفيداً بشكل أكبر.

لذلك، ابتكر كافيولا وجريين هذه المنصة الإلكترونية كوسيلة لتمكين المُتبرعين من تجربة الشعور الإيجابي لدعم المؤسَّسة الخيرية التي يهتمون بها، مع إمكانية التبرع أيضاً لجمعية خيرية فعّالة للغاية. إضافة إلى ذلك، إذا عمل شخص ما على مضاعفة تبرعاته من أجل زيادة مساهمته، فسيشعر بتحسن أكبر.

لا ينبغي أن نتوقع أن يصبح جميع الأشخاص مؤثرين فعّالين يمنحون تبرعات حصرياً على أساس الأدلة حول مدى فاعلية المؤسَّسة الخيرية فيما يتعلّق بالتبرعات التي تتلقاها. بالنسبة لمعظم الناس، يظل العطاء فعلاً عاطفياً في المقام الأول. لكن من الواقعي أن يصبح الكثير من الناس مُؤثرين فعالين بشكل جزئي، ويمنحون جزءاً من تبرعاتهم على أساس مشاعرهم والجزء الآخر على أساس ما هو أكثر فاعلية. إذا قام ربع جميع المانحين باعتماد هذه الاستراتيجية، فسيتم إنقاذ وتحسين حياة ملايين الأشخاص - دون أن يضطر المانحون إلى التخلي عن المؤسَّسات الخيرية الأقرب إلى قلوبهم.

بيتر سنجر أستاذ أخلاقيات علم الأحياء بجامعة برينستون ومؤسِّس الجمعية الخيرية "الحياة التي يمكنك إنقاذها". تشمل كتبه "تحرير الحيوان، والأخلاق العملية، والحياة التي يمكنك إنقاذها، وأخيراً، لماذا نباتي؟ لوسيوس كافيولا هو باحث ما بعد الدكتوراه في قسم علم النفس بجامعة هارفارد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org