كيف تتخلى عن مليون دولار؟

بيتر سينغر

برينستون – لقد تمَّ أخيرًا الإعلان بأنني فزت بجائزة بيرغروين للفلسفة والثقافة، وهي جائزة سنوية تبلغ قيمتها مليون دولار وتمنح "للإنجازات الكبيرة في تطوير الأفكار التي تشكل العالم". بالطبع أنا سعيد أنه قد تمَّ الإقرار بأنَّ عملي يفعل ما كنت دائمًا أتمنى أن يفعله وهو تغيير العالم إلى الأفضل. وأنا سعيد بالانضمام إلى قائمة الفائزين السابقين البارزين، والذي كان آخرهم مارثا نوسباوم وروث بادر جينزبيرغ وبول فارمر، كما أشعر بالامتنان لنيكولاس بيرغروين على اهتمامه ودعمه- وهو أمر نادر جدًّا بالنسبة للمستثمرين الأثرياء- للفلسفة والأفكار.

لكن عندما انتهت الإثارة المتعلقة بخبر فوزي بالجائزة، بدأت أفكر ما الذي سوف أفعله بالأموال ولكن سرعان ما قررت أن أتخلى عنها.

أولًا،أانا وزوجتي نعترف أنَّ لدينا أموالًا كافية للعيش براحة وعمل الأشياء التي تهمنا بالفعل، ونحن نشعر بأنَّ أولادنا في وضع مماثل. وبالطبع فإنَّ من العوامل المساعدة أنهم يعيشون في أستراليا، حيث بخلاف الوضع في كثير من بقاع العالم يوجد فيها مياه شرب آمنة ورعاية صحية مجانية أو بسعر معقول وتعليم مجاني لأولادهم.

إضافة إلى ذلك، أنا مشهور بطرحي القائل إنَّ من الخطأ ترك طفل يغرق في بركة ضحلة؛ لأنك لا تريد أن تفسد حذاءً باهظ الثمن؛ وعليه فإنَّ من الخطأ إنفاق الأموال على الكماليات التي يمكن بثمنها إنقاذ الأطفال من الوفاة بسبب الملاريا أو غيرها من الأمراض الشائعة، والتي تتسبَّب في كل عام بوفاة ملايين من الأطفال محدودي الدخل. ونظرًا لذلك كيف يمكن أن أبرر استخدام أموال الجائزة لشراء الكماليات لي أو لعائلتي؟

قبل نحو عشر سنوات أسست مؤسسة خيرية تدعى "الحياة التي يمكن أن تنقذها" وهي مؤسَّسة أخرى تنشر رسالة مفادها أنَّ من السهل جدًّا لمعظم الناس في البدان الثرية أن يصنعوا الفارق وبشكل كبير بالنسبة للناس الذين يعيشون في فقر مدقع بالدول محدودة الدخل. إنَّ المؤسَّسة الخيرية الحياة التي يمكن أن تنقذها توصي بثلاث وعشرين مؤسَّسة خيرية تمَّ تقييمها بشكل مستقل كونها تقدّم قيمة غير عادية للمال في إنقاذ وتحسين حياة الأشخاص الذين يعيشون في

فقر مدقع.

لقد قرَّرت أن أمنح نصف أموال الجائزة إلى مؤسَّسة "الحياة التي يمكن أن تنقذها" الخيرية وأنا أقوم بذلك؛ لأنه خلال السنوات الثلاث الماضية في مقابل كل دولار تمَّ إنفاقه من قبل مؤسَّسة الحياة التي يمكن أن تنقذها جلب بالمعدل 17 دولار على شكل تبرعات للمؤسَّسات غير الربحية التي توصي بها مؤسسة الحياة التي يمكن أن تنقذها (وتحسبًا لما قد يقوله المتشككين أرغب في أن أوكد أنني لم أتقاضَ سنتًا واحدًا من هذه المؤسَّسة). 

لكني لن امنح كل أموال الجائزة لمساعدة الناس الذين يعيشون في فقر مدقع فقبل أكثر من خمسين عامًا تعلَّمت أنَّ العديد من الحيوانات التي كنت آكل لحومها آنذاك كانت تعيش حياة بائسة في حظائر قاتمة ومكتظة في المزارع التي تعتمد على الإنتاج الحيواني المفرط، حيث أصبحت نباتيًّا وألفت كتاب تحرير الحيوانات، والذي أسهم بدوره في صعود نجم حركة حقوق الحيوان الحديثة. إنَّ المزارع التي تعتمد على الإنتاج الحيواني المفرط لا تزال مصدرًا للرعب، حيث تقوم بدون رحمة باستغلال عشرات المليارات من الحيوانات البرية في كل عام، إضافة إلى أعداد ضخمة من الأسماك. إنَّ الإنتاج الحيواني هو أيضًا مسهم رئيسٌ في التغير المناخي ويزيد من خطر حصول جائحة، وعليه فأنا أخطِّط للتبرع بأكثر من ثلث الأموال إلى منظمات تكافح مزارع الإنتاج الحيواني المفرط، والتي أوصت الجهات التي تقيّم المؤسَّسات الخيرية التي تعنى بالحيوانات بأنها منظمات فعّالة.

سوف تتبقى بعض الأموال ومن أجل هذا الغرض فإني أدعوكم لمساعدتي على اتخاذ قرار يتعلَّق بتوزيع تلك الأموال على أساس النهج الأخلاقي المنصوص عليه في كتاب الحياة التي يمكن أن تنقذها والمتوافر، ككتاب إلكتروني وكتاب صوتي مجاني على موقع المؤسَّسة على شبكة الإنترنت حيث ستتمكَّن من اطلاعي على رأيك.

ماذا عن الخيارات الأخرى؟ هل يجب عليَّ التبرع لمنظمات تدعم تحول أكثر سرعة إلى صافي صفر انبعاثات غاز الاحتباس الحراري؟ لقد فكرت في ذلك ولكني قررت أنَّ عدد المنظمات العاملة في هذا المجال قد قلّصت بالفعل فرص مساهمتي في صنع أي فارق مهم. إنَّ بعض الناشطين الفاعلين من محبي الخير يشجعونا على التركيز على تقليص خطر الانقراض ولكن الغموض الذي يحيط بكيفية تحقيق هذا الهدف كبير لدرجة إنني أفضل التبرع بالمال إلى مشاريع تزيد فيها احتمالية عمل شيء إيجابي بشكل أكبر بكثير.

أنا على ثقة بأنَّ التبرع لإنقاذ الأرواح أو استعادة البصر أو تمكين عائلة من الهرب من الفقر المدقع يؤدي للمزيد من فعل الخير مقارنة بالتبرع لمتحف أو أوبرا. إنَّ المقارنات الأخرى أكثر صعوبة. كيف يمكن لإنقاذ مليون دجاجة من أن تقضي حياتها وهي محشورة في أقفاص من الأسلاك العارية أن يكون أفضل من انتشال عشرات العائلات من براثن الفقر المدقع؟

في النهاية، هناك عدة قضايا سيكون من الجيد دعمها ولكن أستطيع أن أدّعي أنه بالنسبة للقضايا التي أدعمها فإنها تعدُّ من أفضل القضايا الموجودة.

بيتر سينغر، أستاذ أخلاقيات علم الأحياء في جامعة برينستون، وكتبه تشمل حرية الحيوان والأخلاق العملية والحياة التي يمكن أن تنقذها والأخلاق في العالم الحقيقي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت ،2021

www.project-syndicate.org