مواجهة شبح أزمة الغذاء العالمية

هانز فيرنر سِـن

يؤثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية، المتأتي جراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في جميع المستهلكين بمختلف أنحاء العالم، لكن البلدان الفقيرة معرضة للخطر بفعل إفرازات هذه الحرب، بشكل خاص. ولأنها تضطر إلى إنفاق القسم الأعظم من دخلها على الغذاء، فإنها لا تستطيع ببساطة منافسة البلدان الأخرى عندما ترتفع الأسعار. وسوف يصبح تزايد الفقر والجوع والمجاعة الواسعة النطاق أمراً حتمياً لا مفر منه. والآن، وقد أخذت أسعار النفط الخام في الارتفاع، فمن المرجح أن تتنامى هذه الحصة، بسبب علاقة الإحلال المباشرة من جانب واحد بين النفط الخام والوقود الحيوي منذ لم يَـعُـد الوقود الأحفوري البديل الأرخص.

بالإضافة إلى الزيادات الفورية في أسعار المواد المتنوعة (بسبب النقص الكبير في الإمدادات الأوكرانية)، ها هي تتراكم الآن تأثيرات أخرى مرتبطة بأسعار الغذاء وتتوزع على حقول ومجالات كثيرة لا حصر لها في شتى بقاع المعمورة. وفي خريف وشتاء هذا العام، سيكون تأثير نقص المحاصيل واضحاً على الأسواق العالمية، وسوف تدخل الأزمة مرحلة حرجة جديدة مع تجدد تأجج أزمة اقتصادية خانقة وتفشي الجوع وزيادة حِـدة المخاطر في عالمنا.

الواقع أن عدد البشر الذين تهدد حياتهم هذه الكوارث الإنسانية الوشيكة سيكون كبيراً. ولهذا، يتعين على المجتمع الدولي أن يدفع باتجاه وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام. إن الخسائر التي سيتكبدها العالم أجمع جراء هذا النزف في الموارد والأرواح ستكون مهولة.

لقد تسببت الأزمة الأوكرانية في إحداث انفجار في أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم. فقبلها كانت أوكرانيا منبع 10 % من الصادرات العالمية من القمح، و13 % من الشعير، وأكثر من 50 % من زيت دوار الشمس، و5 % من زيت بذور اللفت، و15 % من الذرة. لكن عمليات تسليم هذه المواد الغذائية تعطلت الآن على نطاق هائل. في أبريل كان مؤشر أسعار الغذاء التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) أعلى بالفعل بنحو 30 % على أساس سنوي، وأعلى بنحو 62 % من مستواه في عام 2020 في المتوسط. وتشير التهديدات التي يتعرض لها محصول هذا العام إلى أن ارتفاعات إضافية في الأسعار تلوح في الأفق.

تقدم لنا «أزمة الخبز المكسيكي» التي اندلعت عام 2007 لمحة عامة لما ينتظرنا. بسبب إعانات الدعم الحكومية المقدمة لتشجيع إنتاج وقود الإيثانول الحيوي في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، كان المعروض من الذرة المتاح للاستخدام كغذاء أو علف للحيوانات في تناقص تدريجي. ونتيجة لهذا، تضاعفت أسعار الذرة خلال الفترة من شتاء 2005 - 2006 إلى شتاء 2006 - 2007، وأصبح الخبز المكسيكي أكثر تكلفة بنحو 35 %. وفي يناير من عام 2007، اندلعت احتجاجات الجوع في مكسيكو سيتي، لأن الناس لم يعد بمقدورهم شراء الخبز.

بعد هذا الارتفاع في أسعار الذرة، بدأ المزارعون في إعادة تخصيص الأراضي التي كانت تستخدم في السابق لزراعة القمح، مما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار القمح في عام 2008. وعندما استجاب المستهلكون لهذه الزيادات في الأسعار بالتحول إلى الأرز، ارتفعت أيضاً أسعار الأرز.

بحلول عام 2008، تضاعفت أسعار القمح والذرة والأرز إلى ثلاثة أمثال مستوياتها في عام 2006. واليوم، يتكرر ذات النمط: فقد بدأت الهند بالفعل حظر صادرات القمح، وسوف تحذو حذوها دول أخرى قريباً.

مع استمرار أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، من المؤكد أن المزيد من البلدان ستشهد حالة تدهور اقتصادي واجتماعي، كما حدث في أزمة الخبز المكسيكي.

إن الأمر ينطوي على أبعاد ومخاطر كثيرة، فحتى يومنا هذا، تُـستَـخـدَم الأراضي التي كانت مخصصة لزراعة المحاصيل في السابق لإنتاج الوقود الحيوي. في مواجهة الاختيار بين استخدام المحاصيل لإطعام الناس أو تزويد السيارات بالوقود، كان صناع السياسات والمزارعون ينحازون غالباً إلى جانب السيارات. تشير بعض التقديرات إلى أن 4 % من الأراضي الزراعية في العالم تستخدم لزراعة النباتات المستخدمة لإنتاج الوقود الحيوي، كما يُـسـتَـخـدَم 40 % من إنتاج الذرة في الولايات المتحدة لصناعة الإيثانول.

 

* أستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة ميونيخ، ورئيس معهد البحوث الاقتصادية (Ifo) سابقاً، وعضو المجلس الاستشاري لوزارة الاقتصاد الألمانية حالياً، وهو مؤلف كتاب «المفارقة الخضراء: نهج جانب العرض في التعامل مع الانحباس الحراري الكوكبي»