الأمن الغذائي العالمي وضرورة دعم الدول الفقيرة
أجنس كاليباتا
في السنوات الأخيرة، تسببت صدمات متتالية في تقويض الأمن الغذائي العالمي، الأمر الذي أدى إلى إهدار عقود من التقدم. تسببت جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد 19)، على سبيل المثال، في دفع 70 مليوناً إلى 100 مليون شخص إلى براثن الفقر المدقع ونحو 118 مليون آخرين إلى انعدام الأمن الغذائي (يُـعَـرَّفَ انعدام الأمن الغذائي بأنه الافتقار إلى القدرة على الوصول بشكل منتظم إلى القدر الكافي من الطعام الآمن المغذي اللازم للنمو الطبيعي والتطور وحياة نشطة موفورة الصحة). في شرق أفريقيا، تسببت أسوأ أسراب الجراد في سبعين عاماً في تعميق حالة انعدام الأمن الغذائي في منطقة كانت تعاني بالفعل من جفاف شديد. والآن، كشفت لنا الحرب بين روسيا وأوكرانيا المزيد عن مدى هشاشة الأنظمة الغذائية في العالم.
وفي وقت كانت أسعار المواد الغذائية في ارتفاع بالفعل، تسبب الصراع في تقليص الإمدادات من القمح، والزيوت النباتية، والأسمدة من مختلف أنحاء منطقة البحر الأسود. وكل من هذه السلع الأساسية تخلف تأثيراً مباشراً على الأمن الغذائي ونتائج التغذية. تشير تقديرات مركز التنمية العالمية إلى أن أسعار الغذاء والوقود المرتفعة ستدفع 40 مليون شخص آخرين إلى براثن الفقر المدقع والجوع، في أفريقيا بشكل أساسي. وسوف يعاني مئات الملايين الإضافيين من المشاق والمصاعب.
بعثت هذه الصدمات برسالة واضحة: يتعين علينا أن نعمل على تحويل أنظمتنا الغذائية بشكل جوهري لتصبح أكثر مرونة وقدرة على الصمود. أدى تدهور الظروف العالمية أيضاً إلى تضخيم العديد من التحديات التي نوقشت في قمة الأمم المتحدة للأنظمة الغذائية التي استضافها الأمين العام أنطونيو جوتيريش في الخريف الماضي. وكما أشرنا آنذاك، فإن العالم تأخر لمسافة بعيدة عن تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وتمثل أنظمتنا الغذائية، التي ينبغي لها أن تكون مصدراً للحلول، جزءاً كبيراً من المشكلة.
كانت قمة العام الماضي تتويجاً لعملية تشاور شاملة دامت سنتين وناقشت الحكومات والمجتمعات خلالها كيف يمكن تحسين الأنظمة الغذائية لجعل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المتناول. حتى يومنا هذا، تبنت أكثر من 110 دول خرائط طريق لسياسات ترمي إلى تحويل أنظمتها الغذائية، فالتزمت باتخاذ تدابير من شأنها تعزيز المرونة والقدرة على الصمود ومساعدة هذه الدول على إطعام شعوبها، وتعزيز سبل معايشها، وحماية كوكب الأرض.
بفضل هذا العمل، أصبح من الممكن التصدي لأزمات الغذاء والأسمدة والتمويل اليوم من خلال التعهدات التي قطعناها بالفعل. لكن الوفاء بهذه التعهدات يتطلب بعض الفِـكر الجديد. وهنا تتراءى لي ثلاث أفكار.
أولاً، يتعين على البلدان أن تعمل على تنويع الغذاء وتقليل اعتمادها المفرط على سلع مثل القمح. في غرب أفريقيا، من السهل زراعة نبات الكسافا الذي يمكن أن يحل محل القمح في صناعة الخبز (كما يحدث بالفعل في نيجيريا). تتمتع كل المناطق الزراعية الإيكولوجية بمثل هذه الميزة النسبية، وتسخيرها من شأنه أن يمكن البلدان والمجتمعات من تخفيف الصدمات الحالية والاستجابة لتهديد تغير المناخ.
علاوة على ذلك، من الممكن أن يؤدي التنويع إلى تقصير سلاسل التوريد وزيادة الإنتاج الغذائي المستدام، وهذا كفيل بتقليل الاعتماد على مصدر واحد للمواد الغذائية الحيوية، فضلاً عن خفض فواتير الاستيراد. كما يشكل أهمية كبيرة أيضاً للتغذية والحفاظ على التنوع البيولوجي أو استعادته في المناطق الزراعية.
ثانياً، ينبغي لنا أن نعمل على ابتكار طرق أكثر إبداعاً لضمان تمكين المزارعين من الوصول إلى العناصر الغذائية، والأسمدة، والمدخلات التي يحتاجون إليها لإنتاج القدر الكافي من الغذاء. تُـظـهِـر التجربة أن الحد من استخدام الأسمدة والكيماويات الزراعية هو المفتاح إلى إيجاد توازن جديد مع الطبيعة. وهذه الحتمية مهمة بشكل خاص في أجزاء من العالم حيث لا تخدم المدخلات الزائدة سوى الأرباح، وليس الأمن الغذائي. ومن الممكن تحقيق التخفيضات اللازمة من خلال إلغاء إعانات الدعم التي تحفز الاستخدام المفرط.
في أفريقيا، حيث تسهم التربة المتآكلة، والإنتاجية الضعيفة، والضغوط المرتفعة التي تفرضها الآفات في انخفاض غلة المحاصيل، يميل التدهور البيئي ــ وخاصة إزالة الغابات ــ إلى التسارع مع سعي المزارعين إلى البحث عن أرض خصبة جديدة. من الأهمية بمكان إيجاد الحلول لهذه المشكلة محلياً، في هيئة استخدامات أكثر إبداعاً وابتكاراً للعناصر الغذائية، والأسمدة، والكيماويات الزراعية. في غرب كينيا، بالعمل مع مرفق البيئة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ساعدت المنظمة، التي أتولى رئاستها، المزارعين في إعادة تأهيل 6000 هكتار من الغابات المتدهورة من خلال تشجيع التقنيات الزراعية المستدامة. ومن الممكن تكرار هذه الأساليب عالمياً عن طريق التعاون بين الحكومات، والباحثين، والقطاع الخاص.
أخيراً، ربما تدفع مخاطر العرض المتنامية اليوم بعض البلدان إلى التفكير في فرض تدابير الحماية، ولهذا يتعين علينا أن نتذكر أننا نعتمد على بعضنا بعضاً وبالتالي فنحن أقوى معاً. والتجارة الفَـعّـالة المنصفة من شأنها أن تجعل الجميع أكثر قدرة على الصمود. ولكن لجني المزيد من فوائد التجارة في أفريقيا، يتعين علينا أن نبذل المزيد من الجهد في مساعدة المجتمعات المحلية على الوصول إلى الأسواق. وهذا يعني دعم التجارة الحرة في القارة الأفريقية، حتى يتسنى لتجارتنا بين أقاليم القارة، والتي تمثل الآن أقل من 20 % من إجمالي التجارة في أفريقيا، أن ترتفع إلى المستويات الأعلى كثيراً التي نجدها في قارات أخرى.
ولكن كيف يمكننا متابعة هذه الأفكار على أفضل وجه؟ أثناء إعادة النظر في الكيفية التي تعمل بها على تنظيم عمل الأنظمة الغذائية، يتعين على الحكومات أن تحرص أيضاً على تشجيع المزيد من استثمارات القطاع الخاص، ويجب على القادة السياسيين أن يعملوا على رفع مستوى إصلاح الأنظمة الغذائية إلى مرتبة أعلى على أجندة التنمية العالمية. وسوف توفر الأشهر المقبلة فرصاً عديدة للقيام بذلك. في حين أطلقت الأمم المتحدة مجموعة الاستجابة للأزمات العالمية للتركيز على ارتفاعات أسعار الغذاء، والطاقة، والأسمدة. تستخدم ألمانيا رئاستها لمجموعة السبع للدفع نحو إنشاء «تحالف الأمن الغذائي العالمي». وسوف تشكل الأنظمة الغذائية أيضاً قضية رئيسية في قمة الاتحاد الأفريقي في يوليو (وموضوعها الرئيسي «2022: عام التغذية»)..
الخطوات التالية في التصدي لأزمة أسعار الغذاء واضحة. إذ يتعين على الحكومات أن تعمل على حشد الموارد لمساعدة البلدان الأكثر ضعفاً وعُـرضة للخطر، وبناء أنظمة غذائية أكثر قدرة على الصمود. كما يتعين على البلدان الغنية أن تبذل المزيد من الجهد للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي ومساعدة البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل على التكيف مع تغير المناخ، الذي يجعل الحياة بالفعل أصعب كثيراً بالنسبة للمزارعين في مختلف أنحاء العالم.
يفصل بيننا وعام 2030 ــ الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومنع الأضرار غير القابلة للإصلاح بسبب تغير المناخ ــ ثماني سنوات من حصاد المحاصيل. وقد أنتج مؤتمر قمة الأنظمة الغذائية ثروة من الأفكار الجديدة، فضلاً عن تعهدات بالإصلاح من 166 دولة. واتفق الآلاف من أصحاب المصلحة على أن تحويل أنظمتنا الغذائية من غير الممكن أن ينتظر. البشر أذكياء، وخـلّاقون، ومبدعون. ونحن نملك السبل اللازمة للعيش بشكل مستدام ضمن حدود الطبيعة، في حين نستمر في تحسين حياة المليارات من البشر في مختلف أنحاء العالم. ولكن يتبقى لنا أن نرى ما إذا كنا نتمتع بالقدر اللازم من العمل الجاد لضمان حياة كريمة لجميع البشر.
* شغلت في السابق منصب المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى قمة الأنظمة الغذائية لعام 2021، وهي رئيسة التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا.