إليزابيث الثانية وأفكار آدم سميث
جاكوب سول
يتزامن حدث وفاة الملكة إليزابيث الثانية، 2022، مع الذكرى الـ300 لولادة آدم سميث (مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي ومن رواد الاقتصاد السياسي). وربما يبدو أيضاً أن هاتين القامتين البريطانيتين المشهورتين ليس لهما ارتباط يذكر ببعضهما البعض. وفي واقع الأمر، فإن اسم سميث يرتبط بشكل أكبر بمارجريت تاتشر والتي قيل إنها احتفظت بنسخة من كتاب «ثروة الأمم» في حقيبة يدها. لكن سميث كان إنسانياً أكثر منه تاتشرياً، فسميث كان مثل الملكة الراحلة مهتماً بإنشاء مجتمع سعيد ومسالم ومزدهر وخيّر وذلك من خلال الترويج للمثل العليا المرتبطة بالفلسفة الرواقية.
عندما أشاد سميث بنموذج الواجب الرواقي، بدا الأمر وكأنه يصف إليزابيث الثانية، والتي بالكاد كانت تعطي الانطباع بأنها اقتصادية تؤمن بالسوق الحرة. لقد شجب سميث الجشع ولم يثق في الشركات الخاصة، وأعتقد أن القيم التي يعتز بها يمكن أن تتجسد بشكل أفضل من خلال طبقة زراعية من ملاك الأراضي، الذين كان هدفهم الرئيسي هو خدمة الدولة، وبدون أن يكون لهم مصالح مكتسبة. وطبقاً لرؤية سميث كان هذا النوع من الترتيبات مناسباً بشكل مثالي للحفاظ على الحرية السياسية والأسواق الحرة.
وسواء كان المرء معجباً بالملكة الراحلة أم لا، فإن من الصعب إنكار أنها أحبت كلاً من إيقاع الحياة الريفية وأداء واجباتها تجاه الدولة على وجه الدقة. لقد رأت أن دورها هو دور المستشار الذي يمكنه توحيد المجتمع البريطاني وبالتالي السماح للأسواق بالعمل بحرية وسلاسة.
سوف يدرك أي طالب في الفلسفة الكلاسيكية أن هذه كانت الفضائل الرئيسية التي احتفى بها الشخص الذي كان مصدر إلهام سميث، وهو عضو مجلس الشيوخ الروماني والفيلسوف ماركوس توليوس شيشرون، والذي كان مهتماً بإدارة الأراضي الارستقراطية والفلسفة الأخلاقية والصداقة النزيهة وخدمة الدولة. أما سميث وبصفته أستاذاً للفلسفة الأخلاقية فلقد تأثرت جميع أعماله بشيشرون وذلك من تعاليمه المتعلقة بالعلوم الإنسانية والقانون إلى أعماله الرئيسية مثل كتاب نظرية المشاعر الأخلاقية وكتاب ثروة الأمم.
نظراً لكون سميث من الملتزمين بالفلسفة الرواقية، فإنه لم يكن يتحمل الجشع، حيث كان الهدف الأساسي من الفلسفة الرومانية الرواقية هو استخدام الانضباط الأخلاقي الشخصي لدعم حكم القانون والدساتير ولجعل المجتمع مكاناً أفضل. لقد اعتقد سميث أن القيادة الأخلاقية المنضبطة ستضمن سوقاً حراً وذلك من خلال توفير حكم ليس لديه مصالح مكتسبة وفي واقع الأمر فإن وصفه الشهير لـ«المتفرج المحايد» يبدو وكأنه وصف للدور الذي لعبته الملكة في الاقتصاد السياسي البريطاني المعاصر.
ومن المؤكد أن سميث كان ملكياً دستورياً ونخبوياً. كان يعتقد أن المشرّع المثالي هو شخص مهذب وخيّر، قادر على ضبط النفس الشخصي الضروري لدعم القانون المدني والدستور إلى جانب الأمل المزدوج في حماية المؤسسات وتعزيز التقدم المجتمعي.
إن هناك العديد من الانتقادات الموجهة للملكية. لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن إليزابيث الثانية رأت نفسها على ضوء فكر سميث وعملت على أن تكون قدوة للواجب وعدم الاهتمام بالمصالح المكتسبة من أجل تهدئة المشاعر الشعبية. يمكن للمرء أن ينظر إليها على أنها شخصية بارزة للغاية تسامت فوق الصراعات من أجل تذكير المجتمع بقيمة الرحمة وفضائل الفلسفة الرواقية. عندما نقرأ سميث فإن من الأفضل أن نفكر في مثال إليزابيث الثانية بدلاً من أولئك الذين يحركهم الجشع الشخصي. قد يبدو الأمر وكأنه قد أكل عليه الدهر وشرب ولكن كما يوحي رد فعل البريطانيين على وفاة الملكة، لا تزال هذه القيم تروق لعدد كبير من الناس اليوم.