نماذج قيادية عالمية مثالية عززت ركائز السلام
ناني أنان - زيد رعد الحسين - مارك مالوتش براون
قال كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، سابقاً، في سنة 2014: «لقد كنت أعتقد دائماً أنه بالنسبة إلى الموضوعات المهمة، يجب على القادة القيادة»، وأضاف: «عندما يفشل القادة في القيادة، والناس مهتمون حقاً بهذا الأمر، فإن الناس سوف يتولون القيادة، ويجعلون القادة يتبعونهم»، والآن أكثر من أي وقت مضى، يجب علينا أن نحمي ونحتفي بالفضائل التي كان يجسدها، والترويج لها. يواجه العالم مجموعة من الأزمات الحادة، التي لم يسبق لها مثيل: حرب في أوروبا، التي يمكن أن تتصاعد إلى صراع نووي، وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، يلحق الضرر بالفقراء أكثر من غيرهم، وجائحة كوفيد 19، وحالة الطوارئ المناخية. نحن بحاجة إلى رجال ونساء دولة من أصحاب المبادئ، لصياغة استجابة جريئة وأخلاقية وثابتة لتلك المشاكل، وغيرها من المشاكل العالمية، ولكن للأسف، فإنه لا يوجد الكثير من هؤلاء القادة.
إن العديد من السياسيين يفضّلون دعم سياسات الاستقطاب، وتجنب الخيارات الصعبة، وإنكار حجم التهديدات الموجودة حالياً، ولقد حاول آخرون التعامل مع تلك القضايا بأمانة، ولكن السياسيين الذين يفضّلون التعاون والتضامن في التعامل مع التهديدات العالمية، هم في موقف الدفاع، كما رأينا في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، المخيب للآمال، العام الماضي في غلاسكو، والقدرة غير المتكافئة بشكل كبير على المستوى العالمي للوصول إلى لقاحات كوفيد 19.
في مثل هذه الأوقات، يجب علينا الإقرار والإشادة بالدور الذي يلعبه القادة الذين يحاولون بالفعل التصدي للتحديات العالمية بشكل مسؤول وبنّاء، علماً بأنه قبل خمس وعشرين سنة، أصبح أحد هؤلاء القادة، وهو كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة، سابقاً، في لحظة أخرى من لحظات الاضطراب العالمي، وذلك في خضّم الغموض السياسي والصراعات الإقليمية، في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، وعلى الرغم من أنه لم يعرف في ذلك الوقت ما الذي سيحصل، إلا أن منظومة الأمم المتحدة، سرعان ما واجهت صدمات الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق.
لقد قاد كوفي الأمم المتحدة بإنسانية ورؤية استراتيجية. لقد أحدث ثورة في برامج التنمية الدولية، من خلال إطلاق الأهداف الإنمائية للألفية، والتي مهّدت الطريق لأهداف التنمية المستدامة الحالية، ولقد بنى كوفي شراكات مبتكرة، مثل الصندوق العالمي – والذي يجمع المجتمع المدني والقطاع الخاص والوكالات العالمية- من أجل التصدي لفيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز.
لقد أشرف كوفي على إرسال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لتحقيق الاستقرار في الدول الضعيفة، وإعادة بنائها، مثل ليبيريا، والمساعدة في بناء دول جديدة، مثل تيمور الشرقية، حيث كان وراء فكرة المسؤولية الدولية لحماية الضعفاء من الفظائع الجماعية.
وبصفته المسؤول عن إدارة الأمم المتحدة، اهتم كوفي بشكل كبير بالمؤسسة التي قضى فيها معظم حياته العملية، حيث سعى لجعلها أكثر انفتاحاً وشمولية وشفافية. لقد كان كوفي أول أمين عام يتمكن من تطوير علاقات بين الأمم المتحدة والقطاع الخاص، كما دعم وبقوة المجتمع المدني.
بالإضافة إلى ذلك، فلقد حثّ كوفي القوى الكبرى على إصلاح مجلس الأمن، ليعكس حقائق فترة ما بعد الحرب الباردة. لم يكن كوفي ليتفاجأ من تقاعس المجلس الحالي بشأن أوكرانيا، وعلى الرغم من أن مثل هذا التقاعس لم يكن ليثنيه عن بذل كل ما في وسعه لوقف الصراع.
بالإضافة إلى صفاته الشخصية، بنى كوفي قيادته على أساس مبادئ أساسية محددة، وأحد تلك المبادئ، كان الاحترام العميق للقواعد والمؤسسات ضمن النظام العالمي، لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي انعكست في ميثاق الأمم المتحدة، والذي كان ينظر كوفي إليه كتعزيز للسلام والأمن.
إن هذا لا يعني أنه كان حذراً دائماً، فعلى الرغم من أنه قد يكون عملياً عند الضرورة، إلا أنه كان يخاطر كذلك، ففي سنة 1998، سافر إلى بغداد للقاء الرئيس العراقي صدام حسين، وذلك ضمن الجهود المبذولة لتجنب وقوع الحرب في الشرق الأوسط، كما دعم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، وعلى الرغم من المعارضة الشرسة من الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
لقد كان كوفي يعلم في واقع الأمر، أن من غير الممكن أن تنجح جميع المخاطر الدبلوماسية التي كان يلجأ إليها. لقد كان ملتزماً في سعيه لتحقيق السلام، حتى عندما كانت فرص النجاح، وبعد تنحيه عن منصب الأمين العام للأمم المتحدة في نهاية عام 2006، واصل العمل كصانع سلام في دول تمتد من كينيا وسوريا إلى ميانمار. لقد كان أحياناً يشعر بالإحباط، ولكنه استمر في العمل الشاق، لبناء علاقات مع الفاعلين السياسيين، الذين يصعب الثقة بهم، حتى وفاته في عام 2018.
لقد كان الدافع بالنسبة لكوفي، هو الاهتمام الأساسي بكرامة ورفاهية جميع الناس، وخاصة الأكثر ضعفاً، ولقد أدى ذلك إلى إثراء نشاطه الداعم، ليس فقط للأهداف الإنمائية للألفية، ولكن أيضاً للانتخابات النزيهة والمؤسسات الديمقراطية. لقد كان كوفي يعتبر نفسه مدافعاً عالمياً عن الصالح العام، مجادلاً بأن البلدان تشترك في «المصير المشترك»، وأنه «لا يمكننا السيطرة عليه إلا إذا واجهناه معاً».
إن من السهل أن نستذكر، وكلنا إعجاب، فضائل كوفي، ولكن أصبح من الصعب أكثر من أي وقت مضى على القادة أن يكرروا تلك الفضائل في وقتنا الحاضر، ففي حقبة الشعبوية والانقسام، فإن أولئك الذين يتزعمون الحراك من أجل تحقيق التضامن والوحدة – بين البلدان أو في البلد نفسه- عادة ما يجدون أنفسهم مُثقلين بالخطاب العام السائد، وعليه، فإن من المهم جداً أن نتحدث بصوت أعلى نيابة عنهم.
لهذا السبب، قامت منظماتنا - مؤسسة كوفي أنان، ومجموعة الأزمات الدولية ومعهد السلام الدولي، ومؤسسات المجتمع المفتوح - بتوحيد قواها، لإطلاق مبادرة جديدة للاحتفاء بالقادة الذين يعكسون صفات كوفي، وفي وقت لاحق من هذا العام، وفي كل سنة لاحقاً، لذلك سندعو زعيماً وطنياً أو شخصية دولية ملهمة، لإلقاء محاضرة في نيويورك، حول قيم التعاون الدولي. سنختار المتحدثين بناءً على التزامهم بحقوق الإنسان، والتضامن الدولي، والدفاع عن النظام الدولي، وهي الصفات التي ميّزت حياة كوفي وعمله.
* من الناشطين في مجال التغذية وفنانة ومحامية سابقة، وهي زوجة الراحل كوفي أنان
** المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، سابقاً، وهو رئيس معهد السلام الدولي
*** رئيس مؤسسات المجتمع المفتوح