استفادة بكين من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية
نانسي تشيان
شيكاغو - أثارت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، المقرَّر عقدُها في الفترة الممتدة من الرابع إلى العشرين من فبراير/ شباط، جدلاً كبيرًا والعديد من الانتقادات منذ الإعلان عنها في عام 2015. ويتوقَّع الكثيرون أن تستخدم الحكومة الصينية دورها كمضيفة لتعزيز نفوذها السياسي على الصعيدين المحلي والدولي. لقد أدت حملة المقاطعة الدبلوماسية للألعاب الأولمبية بقيادة الولايات المتحدة احتجاجًا على انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي ارتكبتها الصين ضد أقلية الأويغور في منطقة شينجيانغ إلى إحباط السلطات الصينية والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
يُعدُّ هذا الجدل مُبررًا، لكنه يعكس وجهات نظر ضيقة. يُشير تقييمٌ جادٌّ إلى أنه من المحتمل أيضًا أن تُحقِّق الألعاب الأولمبية الشتوية بعض الفوائد المهمة على المدى الطويل لكل من الصين وبقية بلدان العالم.
في الواقع، تسعى جميع الدول المضيفة إلى تعزيز مكانتها الوطنية من خلال الألعاب الأولمبية، ولكن هذا ربما ليس الدافع الرئيس وراء سعي الصين لتنظيمها. ومع ذلك، سوف تجد الصين صعوبة بالغة في التغلُّب على المتنافسين الرئيسين التقليديين في الرياضات الشتوية من أمريكا الشمالية وشمال أوروبا. في الألعاب الأولمبية الشتوية السابقة، فازت كلٌّ من النرويج وألمانيا وكندا والولايات المتحدة وهولندا بعشرين ميدالية أو أكثر. وقد حازت الصين على تسعة ميداليات فقط في المجموع، وميدالية ذهبية واحدة (في رياضة التزلج السريع للرجال).
وعلى النقيض من ذلك، غالبًا ما تكون الصين أكثر الدول حصدًا للميداليات في الألعاب الأولمبية الصيفية. وفي دورة الألعاب الأولمبية في أثينا عام 2004، حصدت ثالث أعلى مجموع وثاني أعلى مرتبة في جدول الميداليات الذهبية، مما بعث على الأمل في أنها، مع الاستثمارات الكافية، يمكن أن تتربّع على عرش صدارة الترتيب في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي أُقيمت في بكين عام 2008. وفي هذه الدورة، حصدت الصين أكبر عدد من الميداليات الذهبية وتخلَّفت عن الولايات المتحدة بفارق ميداليتين فقط في جدول الميداليات.
ومع ذلك، لا يمكن لأيِّ قدر من المال تحويل البلاد من لاعب مُتخلف في الألعاب الأولمبية الشتوية إلى قوة عالمية في الرياضات الشتوية في غضون خمس سنوات فقط. على الرغم من أنَّ شرائح سكانية كبيرة في الصين تعيش في مناخات شديد البرودة، فإنَّ تاريخ الفقر في الصين الحديثة يعني أنَّ البلاد لا تحتاج إلى البنية التحتية فحسب، بل تفتقر أيضًا إلى ثقافة الرياضات الشتوية مثل رياضة التزلج على المنحدرات.
وبالنسبة للصين، تُعدُّ استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية أهمَّ من مجرد إحراز مكانة رفيعة في ألعاب القوى. وقد تعاملت الحكومة مع هذا الحدث باعتباره فرصة لبناء صناعة كاملة للرياضات الشتوية من الصِّفر. وإضافة إلى تخصيص ميزانية بقيمة 3.9 مليارات دولار للبنية التحتية والمرافق الأولمبية - وهو مبلغ ضئيل للغاية مقارنة بنحو 43 مليار دولار في الميزانية المخصَّصة لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 - فقد عزَّزت الصين الاستثمار على صعيد الاقتصاد ككل في الرياضات الشتوية. وفي عام 2016، خصَّص برنامج اللياقة البدنية الوطني التابع للحكومة "بموجب الخطة الخماسية الـ 14 للتنمية الوطنية" مبلغ 237 مليار دولار لإنعاش صناعة الألعاب الرياضية، مع التركيز على الألعاب الأولمبية الشتوية. وقد بُنِيَ نحو 400 منتجع للتزلج في جميع أنحاء البلاد بين عامي 2014 و2017، مع السعي لتحقيق هدف بناء 800 منتجع تزلج بحلول هذا العام.
كما أثر الطلب الاستهلاكي في الرياضات الشتوية، إلى جانب الاستثمار الذي حفزته الألعاب الأولمبية، في توفير فرص عمل وخلق صناعة سياحة مزدهرة في العديد من المناطق الريفية. ويمكن أن تعمل النفقات الحكومية الضخمة على تعزيز العمالة. ومع ذلك، على عكس الألعاب الأولمبية الصيفية أو غيرها من مشاريع الهياكل الأساسية الكبرى، والتي تميل إلى التمركز في المناطق الحضرية الكبرى، فإنَّ تحفيز الألعاب الأولمبية الشتوية والرياضات الشتوية على مستوى البلاد يتطلَّب عمليات ومشاريع بناء كبرى في المناطق الأقل تقدمًا من الناحية الاقتصادية.
واليوم، أصبحت المناطق الجبلية الفقيرة (سابقًا) تحتوي على مصاعد التزلج والفنادق والمطاعم، وجميعها متصلة بمراكز حضرية أكبر تتمتَّع بخطوط السكك الحديدية والطرق السريعة الجديدة. وبذلك، تحوَّلت الألعاب الأولمبية الشتوية إلى أداة للحد من عدم المساواة بين المناطق الحضرية والريفية - وهي واحدة من أكثر المشكلات الاقتصادية إلحاحًا في الصين.
وبالمثل، يوفِّر الحماس الجديد الذي تبديه الصين فيما يتعلَّق بالرياضات الشتوية فرصة فريدة لبناء التقارب والاحترام وتعزيز العلاقة بين الشعب الصيني والغرب. وفي فترة تتسم بالخطابات السياسية الساخنة والشكوك المتبادلة، تُتيح ثقافة ألعاب القوى والألعاب الرياضية سبلاً للتقارب. وبعد كل شيء، تحظى الثقافة الغربية بشعبية أكبر في الصين في مجالي كرة السلة وكرة القدم، حيث يندهش المشجعون من اللياقة البدنية الهائلة لدى كبار اللاعبين.
إضافة إلى مئات الملايين من المشاهدين الصينيين الذين لديهم اهتمام جديد بالرياضات الشتوية الغربية التقليدية، سيكون هناك أيضًا جيل جديد من النجوم الرياضيين الصينيين الذين تدربوا مع مدربين ومتخصصين من دول مثل المملكة المتحدة وكندا. ومن المرجَّح أن يكون للثقة والعلاقة التي أقامتها هذه التفاعلات الشخصية تأثيرًا إيجابيًا أوسع نطاقًا على التفاهم والثقة بين الناس في الصين والغرب.
يقودنا هذا إلى المقاطعة الدبلوماسية التي أُعلِنَ عنها أخيرًا، والتي تنطبق فقط على الدبلوماسيين والمسؤولين الغربيين، وليس على الرياضيين. لقد تمَّ انتقاد هذه الخطوة من قِبل الناشطين في مجال حقوق الإنسان باعتبارها غير كافية، في حين اعتبرها المواطنون الصينيون العاديون خطوة قاسية للغاية، حيث يشعر العديد منهم بالارتباك والاستياء. علاوة على ذلك، فإنَّ عدم توقيع بعض القوى الغربية على هذه المقاطعة قد يُضعف الموقف التفاوضي الأمريكي في المستقبل.
لكن هذه المخاوف تتجاهل الفائدة المحتملة للسياسات. قد تكون المقاطعة الدبلوماسية للألعاب الأولمبية في بكين الابتكار السياسي المطلوب الآن. إنَّ انعدام الشفافية بشأن أوضاع قلة الأويغور يضع حكومة الولايات المتحدة في موقف حرج. إنها مدعوة إلى اتخاذ إجراءات فعلية في هذا الصدد من قِبَل العديد من الناخبين - مثلما تُحتِّم عليها أيديولوجيتها السياسية الخاصة - لكنها تفتقر إلى المعلومات اللازمة للقيام بذلك. وكما تعلمت الولايات المتحدة على نحو مؤلم للغاية بعد الحرب في العراق، فإنَّ التصرف بناءً على معلومات منقوصة يمكن أن يكون له عواقب سلبية طويلة الأمد.
وبالتالي، تُقدِّم المقاطعة الدبلوماسية للألعاب حلًّا وسطًا. وخلافًا لمقاطعة الولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة للألعاب الأولمبية الصيفية في موسكو عام 1980 والمقاطعة السوفيتية لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لوس أنجلوس عام 1984، سيتمكَّن جميع الرياضيين من المنافسة. لن يُقوَّض تأثيرُ القوة الناعمة في الألعاب الأولمبية بالكامل. يمكن للصينيين التعبير عن استيائهم دون اللجوء إلى تدابير أقوى من شأنها أن تنجم عن محاولة عرقلة دورة الألعاب الأولمبية بالكامل. والأهم من ذلك أنَّ المقاطعة الدبلوماسية تحافظ على التمييز بين السياسة والرياضة - وبين السياسيين والمواطنين - في وقت يكون فيه عدم التسييس هو بالضبط ما يحتاجه العالم.
نانسي تشيان هي أستاذة الاقتصاد الإداري وعلوم القرار في كلية كيلوغ للإدارة بجامعة نورث وسترن، والمديرة المؤسسة لمختبر الاقتصاد الصيني ومختبر نورث وسترن الصيني.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org