الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات ونهاية ساعة الهواة
إريك بوزنر
شيكاغو ــ في الأسبوع الفائت، مع اقتراب بطولة كرة السلة "March Madness" (جنون الربيع) التي تنظمها الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات، نظرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الدعوى القضائية التي أقامها لاعب كرة القدم الجامعي السابق شاون ألستون ضد الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات. يزعم ألستون أنَّ الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات قد لا تقيد أنواعًا بعينها من التعويضات للرياضيين من الطلاب. لكن القضية تسلط الضوء على شكوى أعرض وأطول أمدًا: فباسم الحفاظ على روح الهواية في الرياضات الجامعية، تدير الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات نظامًا استغلاليًّا يعمل على تمكين حفنة من الجامعات من كسب ملايين الدولارات من عمل لاعبين لا يحصلون على أجر أو حتى (في بعض الحالات) تعليم لائق.
هنا تواجه المحكمة مفارقة. إذ يتفق الجميع على وجوب السماح للرابطة الوطنية لرياضة الجامعات بالحفاظ على رياضات الهواة، والتي بحكم التعريف يجب أن تكون غير مدفوعة الأجر للاعبين. ولكن نظرًا لمنع الرياضيين الطلاب من المشاركة في عائدات التلفزيون وشباك التذاكر، فإنَّ هذه الأموال تتدفَّق بالكامل إلى الجامعات، والتي بدورها تدفع رواتب بملايين الدولارات غالبًا للمدربين.
في أي جزء آخر من الاقتصاد، يُـعَـدُّ الاتفاق بين أصحاب العمل لحرمان العمال من التعويض تصرُّفًا غير قانوني. رياضات الهواة قانونية بطبيعة الحال، لكن هذا لأنهم عادة ــ من منظور أهل الاقتصاد ــ أمثلة على الاستهلاك (حيث يفعل الناس ذلك من أجل المتعة) وليس الإنتاج (حيث يفعل الناس ذلك من أجل تمكين آخرين من استهلاك منتج ترفيهي).
لفهم هذا التمييز، لنفترض أن مجموعة من مالكي المسارح اتفقوا فيما بينهم على عدم الدفع للممثلين، والموسيقيين، وغيرهم من الفنانين الذين يؤدون في مسارحهم أمام جمهور يدفع المال. قد يزعم أصحاب المسارح أنهم يزاولون أعمالهم في مجال تقديم "مسرح هواة"، مما يعني ضمنًا أنهم لا يستطيعون أن يدفعوا للفنانين حتى لو أرادوا ذلك. وفي مواجهة تكاليف العمالة التي تساوي صِـفرًا، يصبح بوسعهم أن يجنوا أرباحًا هائلة على حساب الفنانين المكافحين الذين هم على استعداد لقبول الفتات بدافع حبهم لحرفتهم وعلى أمل الفوز بحياة مهنية في حرفة التمثيل، في حين يعيشون على أجور من وظائف أخرى نهارية كنوادل أو صانعي قهوة.
من حسن حظ الفنانين أنَّ قوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة تحظر مثل هذا المخطط لقمع الأجور، والذي لا يضر الممثلين وحسب ولكن المستهلكين أيضًا، على عكس ما قد يبدو. فعاجلًا أو آجلًا، سيتوقف جميع الممثلين الذين لا يستطيعون العمل بالمجان عن التمثيل، مما يؤدي إلى تقليل عدد المسارح في عموم الأمر، وبالتالي تقليص فرص الاختيار وارتفاع أسعار المستهلكين. هذا النوع من المخططات المانعة للمنافسة، والتي تضر بالعالمين والمستهلكين على حدٍّ سواء، هو على وجه التحديد السلوك الذي يحاول قانون مكافحة الاحتكار منعه.
الواقع أنَّ قضية ألستون أكثر تعقيدًا بعض الشيء، لأنَّ الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات تدير الدوريات الرياضية. ويسمح القانون للشركات التي تمتلك فرقًا تتنافس ضد بعضها بعضًا بالدخول في اتفاقيات لضمان نزاهة اللعب وإثارته بين الفِـرَق. ومن ثَـمَّ، يُـسمَـحَ للاتحادات الرياضية المحترفة بتحديد سقف لمقدار الأموال التي يمكن أن تنفقها الفِـرَق على رواتب اللاعبين، حتى لا تحصل الفرق في الأسواق الأكبر على ميزة لا يمكن التغلب عليها بمجرد إنفاق المزيد من المال لاجتذاب أفضل اللاعبين. ولكن في المقابل، توافق الفِـرَق على تقاسم العائدات مع اللاعبين، بناءً على العقود التي جرى التفاوض عليها مع اتحادات اللاعبين.
وعلى هذا فإنَّ دفاع الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات يتلخص في الادعاء بأنَّ مشجعي كرة القدم وكرة السلة في الجامعات سيتوقَّفون عن المشاهدة إذا بدأت الجامعات تدفع للاعبيها ما يمكنهم الحصول عليه في السوق أو من خلال صفقات عادلة يجري التفاوض عليها بين الفِـرَق واللاعبين النقابيين. وبلغة الاقتصاد والقانون، يُـعَـدُّ لعب الهواة "مُـنتَـجًا" يختلف جوهريًّا عن اللعب الاحترافي، وسوف يستمر الناس في الدفع لمشاهدته ما دام محتفظًا بجودته.
لكن هل هذا صحيح؟ لن نجد لهذا الوضع مثيلًا في أي قطاع آخر في الاقتصاد. فالمرضى لا يريدون أن يعمل أطباؤهم بدون أجر، ولا يطالب المستهلكون بتصنيع السيارات وأجهزة الكمبيوتر التي يشترونها بواسطة عمال لا يحصلون على أجر. بل على العكس من ذلك، قد ينفر أغلب الناس من هذه الفكرة، تمامًا كما يشارك كثيرون في مقاطعة الشركات التي تستخدم عمالة أجنبية وتعطي لعمالها أجورًا منخفضة أو تسيئ معاملتهم بأي شكل آخر. ويتفق الجميع تقريبًا من حيث المبدأ على أنَّ العمال يجب أن يحصلوا على أجر عادل لعملهم، يحدده السوق.
الواقع أنَّ جذور الفكرة الغريبة القائلة بأنَّ المستهلكين يستمتعون بمشاهدة كرة القدم وكرة السلة الجامعية على وجه التحديد؛ لأنَّ المشاركين لا يتقاضون أجورًا تمتد إلى تاريخ الألعاب الرياضية الخاص في الجامعات، الذي أوجد روابط ثقافية استغلتها الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات بلا هوادة. ذات يوم، كانت هذه رياضات هواة حقًّا، لأنَّ الجامعات لم تكن تجني منها أي أموال أو كانت تكسب منها أقل القليل. لكن في حالة كرة القدم وكرة السلة، تغير الوضع تدريجيًّا، نظرًا لعدد من العوامل العشوائية إلى حد كبير (في واقع الأمر، لا تزال أغلب الرياضات الجامعية الأخرى تجتذب جمهورًا ضئيلًا ولا تدر إيرادات).
مثلهما كمثل مصارعة المحترفين إلى حدٍّ ما، تستند جاذبية كرة القدم وكرة السلة في الجامعات على خيال مصقول بعناية: فاللاعبون دارسون يمارسون هذه الرياضة أو تلك حبًّا فيها. ولا يصدق الجمهور هذا حقًّا. فقد فَـجَّـرَت الفضائح حول لاعبين يحصلون على أجور من تحت الطاولة هذا الوهم. لكن الأساس القانوني الذي تستند إليه القيود التي تفرضها الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات يظل يعتمد على ذات الوهم.
تُـرى ماذا قد يحدث إذا توقَّفت المحاكم عن تأييد هذا الخيال؟ بادئ ذي بدء، من الممكن أن تكف عن التسامح مع انتهاكات الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات لقانون مكافحة الاحتكار. وسوف يصبح من الواجب حصول العاملين في فرق كرة القدم وكرة السلة الجامعية حاليًّا على أجر عادل من الجامعات التي توظفهم، تماًما مثل المحترفين في مجال تكنولوجيا المعلومات، والعاملين في الحراسة، والأساتذة.
أو قد تتوقَّف الجامعات عن التنافس على اللاعبين من خلال منحهم أماكن إقامة فاخرة ومزايا من تحت الطاولة. بدلًا من ذلك، سيحظى الشباب الموهوبون بالفرصة للاختيار بين الانضمام إلى فرق رياضية محترفة (والتي من المرجح أن تتضاعف في أنظمة الاتحادات الصغيرة الموسعة)، والحصول على تعليم مع ممارسة رياضتهم بعد الدرس، لمجرد المتعة. هل يكون ذلك أمرًا بهذا السوء؟
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
إريك بوزنر أستاذ في كلية الحقوق في جامعة شيكاغو، وأحدث مؤلفاته كتاب "دليل زعماء الدهماء: المعركة من أجل الديمقراطية الأميركية من المؤسسين إلى ترامب" (All Points Books, 2020).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org