ألعاب طوكيو ستستمر
بيل إيموت
لندن - بعد أن تمَّ تأجيلها منذ عام 2020 بسبب اندلاع جائحة فيروس كوفيد 19، تقترب دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو من افتتاحها في الثالث والعشرون من يوليو / تموز في خضم العديد من الانتقادات. في الواقع، يتوقع اليابانيون والأجانب على حد سواء إلغاء الحدث، أو بالأحرى يُطالبون بذلك بشكل صريح.
ومن بين أولئك الذين يؤيدون إلغاء الألعاب أحد الشركاء الرسميين للحدث، صحيفة أساهي شيمبون. وفقًا لتفسير استطلاعات الرأي العام، يبدو أنَّ هذا الموقف مدعوم بنسبة 60 إلى 80٪ من السكان اليابانيين. كما تُجادل مجموعات طبية مختلفة بأنَّ دورة الألعاب الأولمبية ستفرض ضغوطًا غير مقبولة على النظام الصحي في اليابان في وقت لا يزال فيه الوباء مستشريًا. ومن أجل تأكيد هذا الشعور بالأزمة، أعلنت الحكومة اليابانية اليوم أنَّ طوكيو ستكون في حالة طوارئ طوال دورة الألعاب.
لكن هذا كله غريب إلى حدٍّ ما. تجعل المجموعة المؤيدة لإلغاء الألعاب الأمر يبدو كما لو أنَّ اليابان تشهد موجة مروعة من حالات الإصابة بفيروس كورونا. لكن من الواضح أنَّ هذا ليس هو الحال. إنَّ الوضع في اليابان يختلف تمامًا عن الوضع في الهند أو البرازيل. في 7 يوليو / تموز، على سبيل المثال، أبلغت اليابان، التي يبلغ عدد سكانها 120 مليون شخص، عن 1683 حالة مؤكدة فقط و17 حالة وفاة، بانخفاض عن الذروة الأخيرة التي بلغت 6460 حالة جديدة في 14 مايو/ آذار و113 حالة وفاة في 23 مايو / آذار.
وعلى سبيل المقارنة، في السابع من يوليو / تموز، أبلغت إيطاليا التي يبلغ عدد سكانها نصف عدد السكان في اليابان عن 829 حالة جديدة و22 حالة وفاة، وقد أعادت فتح أبوابها اليوم أمام المسافرين الدوليين المحصّنين. وفي نفس اليوم، سجَّلت الولايات المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة أضعاف عدد السكان في اليابان، 15.000 حالة إصابة جديدة و226 حالة وفاة. وقد بلغ إجمالي عدد الوفيات في اليابان طوال فترة الجائحة 14.800 حالة - أي ما يقرب من عُشر عدد الوفيات في إيطاليا ونحو خمسة أضعاف حالات الوفيات التي سُجلت في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، هذا لا يعني أنَّ اليابان يجب أن تتقدَّم وتستضيف الألعاب الأولمبية، بغض النظر عمّا يحدث. من الواضح أنَّ استقبال أكثر من 60 ألف رياضي ومرافقيهم من الخارج يخلق بعض المخاطر. كانت هناك مخاطر مماثلة عندما سُمح للجمهور بحضور بطولة الولايات المتحدة للجولف في أوائل إبريل/ نيسان (عندما كانت الإصابات الجديدة أعلى بثلاث مرات مما هي عليه اليوم)، وعندما شاهد 135.000 متفرج سباق إيندايانا بوليس 500 للسيارات في 30 مايو/ أيار. كان دوري كرة البيسبول في اليابان يعقد مباريات طوال فترة حالة الطوارئ (بعضها في حضور الجمهور، والبعض الآخر بدون مُتفرجين).
من الواضح أنَّ المجموعة المؤيدة لإلغاء الألعاب الأولمبية في طوكيو يمكن أن تستفيد من شعور أكبر بالتناسب والانسجام. نعم، لا تزال طوكيو وأوكيناوا في "حالة طوارئ"، لكن هذه تسمية خاطئة. لا يسمح القانون الياباني للحكومة بممارسة هذا النوع من سلطات الطوارئ التي تتمتع بها الدول الأوروبية بشكل عام. تعني "حالة الطوارئ" بشكل أساسي أنه لا يمكن فتح الحانات والمطاعم حتى وقت متأخر من الليل، كما يُنصح بعدم تقديم المشروبات الكحولية (ولكن ذلك ليس محظورًا). علاوة على ذلك، تخضع المتاجر والمحلات لقيود مُعينة، ويُنصح الجميع بتوخي أكبر قدر ممكن من الحذر. تعدُّ الحياة الوبائية في اليابان طبيعية أكثر بكثير مما هي عليه في أوروبا.
فضلاً عن ذلك، ونظرًا إلى انخفاض عدد الإصابات والوفيات في اليابان، فإنَّ المخاوف من تجاوز المستشفيات بشكل مفاجئ قدرتها الاستيعابية الحقيقية هي في غير محلها. تمتلك اليابان أسِرّة المستشفيات لكل 1000 شخص أكثر من أي دولة أخرى في العالم تقريبًا. وفي بعض الحالات، كانت الأسِرة ووحدات العناية المركزة لمرضى فيروس كوفيد 19 قد اقتربت بالفعل من الإشغال الكامل. لكن هذه الخيارات كانت في حد ذاتها انعكاسًا للمعدل المنخفض نسبيًّا للعدوى والمرض والاستشفاء والوفيات في البلاد. إذا تعيَّن على المستشفيات إيجاد سعة أكبر، فسيكون بوسعها القيام بذلك بسهولة.
إنَّ النظام الصحي في اليابان ليس مثاليًّا بطبيعة الحال. في حين يتم تمويل الحكومة من قبل القطاع العام ولكن تتمُّ إدارتها إلى حدٍّ كبير من قِبَل القطاع الخاص، غير أنها لا تستطيع فرض تحسين قدراتها الطبية بسهولة مثل الهيئة الوطنية للخدمات الصحية في بريطانيا. ونتيجة لذلك، كانت هناك بعض الحالات المخزية لمرضى فيروس كورونا الذين تمَّ رفضهم ثمَّ ماتوا في منازلهم بسبب اختيار المستشفيات عدم توفير المزيد من القدرات العلاجية. ومع ذلك، يُشير العدد الإجمالي للوفيات أن مثل هذه الحالات استثنائية وليست سائدة. وخلافًا لمعظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى، كان معدل الوفيات في اليابان خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية أقل مما كان عليه في الأوقات العادية، وذلك لأنَّ اليابانيين كانوا أكثر حذرًا وقاموا بخفض معدل السفر.
وفي نهاية المطاف، لن تكون أزمة فيروس كوفيد 19 في اليابان هي التي تحدِّد مصير الألعاب الأولمبية في طوكيو، لأنَّ مثل هذه الأزمة غير موجودة على الإطلاق. لقد كانت عمليات التطعيم بطيئة إلى حد كبير، ومع ذلك، تمَّ الآن توفير 50 مليون جرعة، ومن المرجَّح أن يكون العدد الإجمالي للمُحصنين أعلى بكثير بحلول افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، مما يحمي الفئات الأكثر ضعفًا. في الواقع، اليابان قادرة تمامًا على إبقاء الرياضيين الزائرين ومرافقيهم معزولين عن السكان، خاصة وأن السلطات قد تمنع الجمهور من حضور جميع المسابقات.
وفي ظل الظروف المحلية الفعلية، من غير المرجح أن تدعم الحكومة اليابانية اقتراح الإلغاء. إن القيام بذلك يعني إذلالاً وطنيًا. ولأنَّ اللجنة الأولمبية الدولية ستعارض بشكل شبه مؤكد هذا القرار، فستكون اليابان والحكام بالعاصمة طوكيو مسؤولين عن الأضرار.
لو أُقيمت الألعاب الأولمبية في مدينة أمريكية أو صينية، فهل كانت ستلغيها أمريكا أو الصين في هذه المرحلة من الجائحة؟ لا، لن تفعل ذلك. إنَّ الاحتمال الوحيد لإلغاء الألعاب الأولمبية يكمن في رفض الرياضيين ووفودهم الوطنية السفر أو المشاركة في المسابقات. والنتيجة الأكثر احتمالاً هي أن الحدث سينعقد كما هو مُخطّط له.
بيل إيموت، رئيس التحرير السابق لمجلة "ذا إيكونوميست"، والمدير المشارك للجنة العالمية لسياسات ما بعد الجائحة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org