يمكن للحيوانات البرية المُهددة بالانقراض دفع ثمن حماية نفسها
جوناثان ليدجارد، وإريك ميجارد
براغ / نيروبي - سوف يُصبح من الممكن قريبًا إعطاء هوية رقمية للحيوانات البرية الفردية التي تتعرض أنواعها لخطر الانقراض. في الوقت الحالي، تتمثل القيمة الاقتصادية الوحيدة لهذه الحيوانات في قيمة أجزاء أجسامها المعالجة. يمكن أن يُساعد منحها محفظة رقمية مرتبطة بهويتهم والقدرة على إنفاق الأموال لحماية أنفسهم في تحسين حياتهم وزيادة فرصهم في البقاء على قيد الحياة.
تُعدُّ القردة العليا (العظمى)، بما في ذلك الغوريلا والشمبانزي والبونوبو، من أوائل المرشحين المثاليين لاعتماد نهج "المال المخصص لحماية الأنواع". لم ينجُ سوى 700.000 من أقرب الأقارب لنا، كما أنَّ أعدادهم في انخفاض حاد: تخيلوا مجموعة سكانية تعادل تعداد سكان واشنطن العاصمة، منتشرين في الغابات على طول الطرق الترابية أو بالقرب من آلاف القرى المعزولة والفقيرة والسريعة النمو. لم يتمكن البشر والقردة العليا من العيش معًا في العصر الصناعي، ولكن يمكننا تحسين الوضع في عصر ما بعد الصناعة.
نقترح البدء بقردة إنسان الغاب. لم يبقَ سوى 120.000 من هذه القردة الحمراء الذكية على قيد الحياة في مواطن الغابات التي تعيش فيها على جزيرتي سومطرة وبورنيو. وعلى الرغم من إنفاق مليار دولار لحمايتها منذ عام 2000، فقد تم فقدان أكثر من 100.000 قرد إنسان الغاب بسبب عمليات إزالة الغابات والمضايقات والقتل خلال نفس الفترة. كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ - كان يمكن أن يموت نحو 135.000 من قردة إنسان الغاب بدون بذل جهود لحمايتها - ولكن يصعب القول إنَّ الاستثمارات كانت ناجحة.
إنَّ منطق الحفاظ على حياة قردة إنسان الغاب بسيط للغاية. تتشارك القردة الغابات مع الأشخاص الذين يكسبون عيشهم من زراعة المحاصيل ومنتجات الغابات. كلاهما يحب نفس المنتجات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق النزاعات. إنَّ مطالبة سكان الغابات بالتعامل مع جيرانهم القرود ليس كافيًا. إنهم بحاجة إلى معرفة أنَّ القيام بذلك سيعود عليهم بالنفع. ومع ذلك، لا يتم استثمار ما يكفي من أموال الحماية في التدابير حيث يمكن أن يكون لها أكبر تأثير.
وفي هذا المجال، تُوفّر التكنولوجيا إمكانات جديدة لإدارة حقيقية للحياة غير البشرية على الأرض. على صعيد الأجهزة، يُتيح لنا الانفجار الحوسبي وتخزين البيانات والهواتف الذكية والكاميرات وأجهزة الاستشعار والطائرات بدون طيار والآليين والأقمار الصناعية وعلم الجينوم تتبع مسار الطبيعة بدقة أعلى وبتكلفة أقل. وعلى مستوى البرمجيات، فإنَّ من شأن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، ومنصات الألعاب الإلكترونية، والحلول الإدارية المُوزعة للتشفير وتقنية "البلوك تشين" أن يُمكننا من تمثيل الأنواع الأخرى عبر الإنترنت بطرق جديدة ومبتكرة تمامًا.
هناك الكثير من الأموال في شكل عملات رقمية مشفرة مُتاحة لإثبات وجود "اقتصاد رمزي جديد" لفائدة الطبيعة؛ وقد نجح مبتكرو التشفير بشكل مذهل في خلق ندرة رقمية لزيادة قيمتها. من المحتم أن تتحوَّل الندرة الحية للأنواع المهددة بالانقراض إلى فئة أصول لأولئك الذين يمتلكون العملات الرقمية المشفرة. والسؤال المطروح الآن هو كيف يمكن التعامل مع هذا الأمر بطريقة مفيدة للأنواع وللأشخاص الذين يعتنون بها.
نحن نُخطط لمنح أول محافظ رقمية لقردة إنسان الغاب من عائدات بيع الرموز غير القابلة للاستبدال ذات الصلة (NFTs). سيكون لكل محفظة علماء ومُوقّعون آخرون مُكلفون باتخاذ القرارات بالنيابة عن قردة إنسان الغاب. ومع مرور الوقت، ستتحول العملية إلى معادلة العالم النمساوي المختص في مجال الفيزياء النظرية "شرودنجر": سيتم إنشاء محفظة رقمية عندما يتم ملاحظة القرد بشكل موثوق لأول مرة. سيتم دفع الأموال المخصصة لحماية الأنواع إلى الناس من الأموال الموجودة في المحافظ الرقمية مقابل الالتزام بقواعد بسيطة وقابلة للتحقق. سيتم وضع هذه القواعد من قبل قردة إنسان الغاب (أو بشكل أكثر تحديدًا الأشخاص المكلفين برعايتها وخبراء الحاسوب الذين يمثلون احتياجاتها)، والتي تشمل مهام مثل "راقبني مع مرور الوقت"، و"لا تقترب من شجرتي"، و "لا تقتلوني".
يبلغ الإنفاق الحالي على حماية الأنواع 1.30 دولارًا في اليوم لكل قرد من قردة الغاب البرية. نعتقد أنَّ تحويل دولار واحد يوميًّا إلى محفظة قرد الغاب سيكون خيارًا تحويليًّا في معظم الحالات. يُعدُّ مبلغ أربعمائة دولار في السنة أكثر مما يمكن أن يتوقعه طفل في المجتمعات المحلية المحيطة في شكل مساعدات تنموية، لكن بقاء قردة الغاب على قيد الحياة محفوف بالمخاطر لدرجة تُبرر اختلال التوازن هذا. علاوة على ذلك، نظرًا إلى أنَّ الأموال المخصصة لحماية الأنواع تربط بوضوح بين الحيوانات غير البشرية والأشخاص الذين يعتنون بها، سيتم تمرير الكثير من الأموال المودعة في محافظ قردة الغاب إلى المزارعين وأطفالهم كمكافأة لجمع البيانات أو كتعويض عن تلف المحاصيل.
إذا كان من الممكن جعل الأموال المخصصة لحماية الأنواع تعمل على بقاء قردة الغاب، فيمكن تخصيصها أيضًا لحماية أنواع القردة الكبيرة الأخرى، ولاسيما غوريلا السهول الغربية، التي يتم استهلاكها كلحوم طرائد في غابة الكونغو. ويمكن أن تشمل غيرها من الأنواع المبكرة التي تستحق الأموال المخصصة لحماية الأنواع حيوان الأطوم، والزرافات، وحوت الأوركا. بدءًا من الثدييات الكاريزمية، يمكن استخدام الأموال المخصصة لحماية الأنواع أيضًا في الحفاظ على الأشجار والطيور وحتى مجموعات الحشرات والميكروبات. قد تظهر عملة رقمية للأنواع الأخرى، التي تعمل كبنك مركزي للتنوع البيولوجي. بشكل منفصل، يمكن أن تُشكل الرموز غير القابلة للاستبدال للأنواع المهددة بالانقراض مخزنًا للقيمة يُمنح لهذه المؤسسة.
تُذكرنا التهديدات بانقراض القردة العظيمة بافتقارنا إلى الطموح عندما يتعلق الأمر بحماية الأنواع الأخرى على نطاق أوسع. ومع زيادة أعداد السكان، لا تستطيع القرود البقاء على قيد الحياة إلا إذا وافق الناس على العيش معها بسلام. إنَّ دفع الأموال لأفقر الأشخاص الذين يعيشون بجانب أكثر أنواع التنوع البيولوجي ثراءً بشكل واضح ومُستمر هو مجرد خطوة أولية نحو تحقيق هذه الغاية.
جوناثان ليدجارد هو عالم تكنولوجيا وروائي ومؤسس أول خدمة مالية بين الأنواع. إريك ميجارد هو دكتور وعالم البيولوجيا، ومؤسس مبادرة "بورنيو فيوتشرز" للمحافظة على البيئة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org