دور تأهيل معلمي الكبار في ترسيخ المواطنة العالمية

تسعى التنمية المستدامة إلى تمكينهم ليصبحوا مساهمين في تحقيق العدالة والسلام والتسامح

يعد تقرير «مفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية في ضوء عملية تعليم الكبار وتعلُّمهم » الصادر عن «معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة »، ثمرة من ثمار التعاون بين معهد التعلُّم مدى الحياة ومركز آسيا والمحيط الهادئ للتعليم، من أجل التفاهم الدولي في مجال التعليم من أجل المواطنة العالمية والتعلم مدى الحياة، حيث أطلقا مشروعاً مشتركاً حول مفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية وعملية تعلُّم الكبار وتعليمهم في عام 2018 . وقد كان هدفهم المرجوّ هو رفع مستوى الوعي بأهمية مفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية في عملية تعليم الكبار، إضافة إلى تشجيع أصحاب المصلحة على تطوير هذا المجال وتعزيزه لإتمام الاهتمام الذي يُمنح بالفعل في مجال التعليم المدرسي.

يعدُّ كلٌّ من التعليم من أجل تحقيق التنمية المستدامة، ومفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية أمراً حاسماً لجميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، حيث إنَّ تلك الأهداف تسعى إلى تحقيق الرؤية نفسها: لتمكين المتعلمين من جميع الأعمار ليصبحوا مساهمين استباقيين في تحقيق المزيد من سبل العدالة والسلام والتسامح، وخلق عالم شامل ومستدام. فالهدف المرجوّ من كل من التعليم من أجل تحقيق التنمية المستدامة ومفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية هو مساعدة المتعلمين على فهم العالم المترابط الذي يعيشون فيه وإدراك تعقيدات التحديات العالمية التي يواجهونها، إضافة إلى تطوير معارفهم ومهاراتهم ومواقفهم وقيمهم حتى يتمكَّنوا من مواجهة هذه التحديات بمسؤولية وفاعلية في الوقت الحاضر وفي المستقبل.

إعداد معلمي المواطنة
العالمية فرصة لإشراك
المجتمعات في توضيح ما
يعنيه أن يكون الفرد عضواً
في المجتمع

في هذا العدد نسلط الضوء على تأهيل معلمي الكبار في ضوء مفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية. حيث يعد المهنيون العمود الفقري لبرامج عملية تعليم الكبار التي تدمج موضوعي المواطنة العالمية والهدف 4.7 بشكل فعّال. ويضم هذا التجمع بين صفوفه المديرين والمدربين والمعلمين والميسرين بهدف نقل المعرفة والكفاءات والمهارات
إلى البالغين كوسيلة للتغلب على الاستبعاد الاجتماعي وتسهيل المشاركة في جميع مجالات المجتمع.

معلم المواطنة العالمية

تبعاً لذلك فإنَّ «برنامج اليونسكو لتعليم المواطنة العالمية: الموضوعات وأهداف التعلُّم » ينصُّ على أنَّ المواطنة العالمية للتعليم تتطلب معلمين مهرة ممن يملكون فهماً جيداً لعملية التعليم والتعلُّم التحولي والتشاركي. كما ينصُّ أيضاً على أنَّ دورَ معلم المواطنة العالمية في ضوء عملية تعليم المواطنة العالمية هو أن يكون مرشداً وميسراً يشجع المتعلمين على الانخراط في الاستقصاء النقدي ودعم تطوير المعارف والمهارات والقيم والمواقف التي تعزز التغيير الشخصي والاجتماعي الإيجابي. وإضافة إلى كونهم بارعين في التنقل بين دور المرشد والميسر، يلعب المعلمون دوراً مركزياً في خلق بيئة للتعلم الفعّال، حيث يمكنهم الاستعانة بمجموعة من الأساليب لخلق بيئات تعليمية آمنة وشاملة وجاذبة (المرجع نفسه).

ولتحقيق ذلك يحتاج المعلمون المنخرطون في عملية تعليم الكبار إلى أساس مهني رصين، وفرص للتطوير المهني المستمر. ومع ذلك فإنَّ منتدى بواو الآسيوي قد حدَّد إضفاء الطابع المهني على المعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار باعتباره تحدياً رئيساً في هذا المجال، حيث يُلاحظ أنَّ نقص فرص التدريب المهني والمعلمين له تأثير ضار في جودة تعليم الكبار وتوفير فرص التعليم. علاوة على ذلك فإنَّ نتائج المشاورة السادسة بشأن توصية اليونسكو لعام 1974 بشأن التعليم من أجل التفاهم الدولي والتعاون والسلام والتعليم المتعلق بحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتي تغطي الفترة 2012-2016 قد أشارت إلى أنَّ تدريب المعلمين غير الكافي على المواطنة العالمية لا يزال يمثِّل عائقاً في طريقهم.

كفاءة المعلمين

إنَّ إعداد المعلمين للعمل في مجال تعليم المواطنة العالمية يُعدُّ فرصة لإشراك أعضاء المجتمعات المتنوعة من جميع أنحاء العالم في توضيح ما يعنيه أن يكون الفرد عضواً في مجتمع محلي وإقليمي وعالمي وكيفية ارتباط المواطنة المحلية بالحاجة إلى إدارة الموارد الطبيعية بشكل مسؤول. كما أنَّ تعليم المواطنة العالمية أمر يتطلَّب من المعلمين أن يكونوا أكفاء في التخصص مثلما يحتاج مدرسو الرياضيات- على سبيل المثال- أن يكونوا أكفاء في تخصص الرياضيات. وبالتالي يمكن اعتبار كونك مواطناً عالمياً بمثابة موضوع اختصاص للمعلم المنخرط في عملية التعليم من أجل المواطنة العالمية. ونظراً لطبيعة مفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية، فإنَّ هذه الكفاءة تعتمد وبشكل كبير على القيم والمواقف التي تسير جنباً إلى جنب مع الكفاءات والمهارات المعرفية للعمل.

المناهج التعليمية

ويتطلَّب التطبيق الفعّال لمفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية وجود مناهج التدريس والتعلم التي من شأنها أن تعزّز مجموعة من المهارات الاجتماعية والعاطفية بما في ذلك الوعي الذاتي والإدارة الذاتية والوعي الاجتماعي ومهارات العلاقات ومَلَكة اتخاذ القرارات التي تتسم بالمسؤولية. ومن الجدير بالذكر أنه غالباً ما يتم تصنيف المهارات الشخصية من هذا النوع ضمن مصطلح المهارات الحياتية وذلك في سياق عملية تعليم الكبار وبرامج التعليم غير النظامي. علاوة على ذلك، فمن المعترف به عالمياً أنه يجب أخذ عدد من الخصائص الأوسع نطاقاً لتعليم المواطنة العالمية في الاعتبار عند إنشاء إطار الكفاءات للمعلمين المنخرطين في عملية التعليم من أجل المواطنة العالمية فبالتالي، فإنه ينبغي أن يُنظَر إلى المواطنة العالمية من منظور عملية التعلُّم مدى الحياة. ويستهدف ذلك النهج الأشخاص من جميع الأعمار من سن الطفولة المبكرة إلى مرحلة البلوغ المتقدمة؛ حيث لا تقتصر عملية التعليم من أجل المواطنة العالمية على التعليم الرسمي فحسب، ولكنها تعد جزءاً من نهج شامل يتضمن أيضاً التعلُّم غير الرسمي وغير الرسمي.

إرشادات المناهج

يؤكد تقرير «مفهوم التعليم من أجل المواطنة العالمية في ضوء عملية تعليم الكبار وتعلُّمهم » الصادر عن «معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة » أن إرشادات المناهج للمعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار قليلة بمقارنتها مع تلك المقدمة لمعلمي المرحلتين الابتدائية والثانوية. ومع ذلك فإنَّ استعراض المؤتمر الدولي لتعليم الكبار CONFINTEA لمنتصف المدة يظهر أنَّ عدداً من البلدان (مثل إندونيسيا ونيبال) قد طوَّرت مناهج قياسية للمعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار والتي يمكن تكييفها مع الاحتياجات المحلية، وذلك لضمان جودة البرامج التي يقدمها المعلمون المنخرطون في عملية محو الأمية. أما بالحديث عن البلدان الأخرى مثل نيوزيلندا وأستراليا فإنَّ للجامعات ومؤسسات البحث التربوي الأخرى دورها في توفير التدريب المهني وفرص التطوير للمعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار.

ووفقاً للمكتب الدولي للتربية ( IBE ) التابع لليونسكو يمثِّل المنهج الدراسي اختياراً واعياً ومنهجياً للمعارف والمهارات والقيم التي تشكِّل الطريقة التي تُنظَّم من خلالها عملية التدريس والتعلُّم والتقييم، وذلك من خال معالجة أسئلة مثل: ماذا ومتى وكيف يجب على الناس أن تتعلَّم. لذا فإنَّ هناك حاجة إلى مناهج عالية الجودة لتدريب المعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار على تعليم مفهوم المواطنة العالمية.

وقد تختلف تفسيرات المواطنة العالمية وبؤر تركيزها (خلال مرحلة التطبيق) بشكل كبير باختلاف البلدان والمناطق المُطبقة فيها وذلك اعتماداً على الاهتمامات التي تعدُّ أكثر إلحاحاً في مكان ما مقارنة بغيره. فعلى سبيل المثال في الوقت الذي قد تولي فيه بعض البلدان / المناطق الأولوية لمسألة تعليم سبل نشر السلام قد يركز البعض الآخر على قضايا التنمية المستدامة؛ ونظراً لأنَّ المواطنة العالمية تتبنّى نهجاً شاملاً للتعلُّم فإنها تتناول كلاً من المهارات المعرفية وغير المعرفية مثل المهارات الاجتماعية والعاطفية والقدرات السلوكية (النهج التواصلي نموذج الرأس والقلب واليدين).

مهارة استخدام مصادر المعلومات

كما يحتاج المعلمون المنخرطون في عملية تعليم الكبار إلى التمتُّع بالقدرة على استخدام مجموعة متنوعة من مصادر المعلومات، فقد يتفاعلون مع المتعلمين وجهاً لوجه أو عبر المساحات الرقمية والوساطة التي تمَّ إنشاؤها بواسطة تقنيات المعلومات والاتصالات ( ICT ) ومن ثَمَّ فإنَّ الاستخدام المنهجي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو إحدى السبل المهمة لتوسيع تغطية برامج عملية تعليم الكبار من خلال تزويد المتعلمين والمعلمين بفرص التدريب المناسبة على حد سواء. وبالتالي فإنه ينبغي على «المواطنة الرقمية » أن تكون محوراً إضافياً للتركيز على مسألة المواطنة العالمية ولا يمكن المبالغة في تأكيد أهمية كفاءة الإعلام والمعلومات في وقت قد لوحظ فيه ارتفاع عالمي في «وجهات النظر القومية».

المواطنة العالمية للتعليم
تتطلب معلمين مهرة يملكون
فهماً جيداً لعملية التعليم
والتعلُّم التحولي والتشاركي

وكمثل أي شخص آخر قد يكتسب المعلمون المنخرطون في عملية تعليم الكبار مهارات من خلال التعليم الرسمي وغير الرسمي و/ أو غير الرسمي في نطاقات واسعة. ومن الجدير بالذكر أنَّ جودة دورات تعليم الكبار تتحسن تلقائياً عندما يُطلب من المعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار الحصول على مؤهل مسبق، وعندما يتم إمدادهم بتدريب عالي الجودة في شكل برامج تدريب قبل الخدمة وأثناء الخدمة والتدريب المستمر. علاوة على ذلك، فإنَّ توصيات اليونسكو بشأن تعلُّم الكبار وتعليمهم ( RALE ) تدعو إلى خلق مسارات تعلُّم مرنة وسلسة تقع بين التعليم الرسمي وغير الرسمي والتدريب، كما تدعو إلى توفير بيئات التعلُّم المواتية لتعليم الكبار وتعليمهم بشكل عالي الجودة.

معدلات الإكمال

أمّا بالحديث عن التقدم المُحقق فيما يتعلق بإضفاء الطابع المهني على المعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار، فقد أشار تقرير حديث صادر عن معهد اليونسكو للتعلُّم مدى الحياة كان قد نُشِر في سياق استعراض المؤتمر الدولي لتعليم الكبار CONFINTEA لمنتصف المدة لعام 2017 إلى أنَّ 66 % من البلدان تملك معلومات حول معدلات الإكمال، إضافةً إلى 72 % حول الشهادات لكن عدداً أقل من ذلك يتتبع مخرجات التوظيف ( 40 %) أو النتائج الاجتماعية (مثل الصحة) ( 29 %) في حين أن 81 % من البلدان تضطلع بتدريب قبل الخدمة وأثناء الخدمة للمعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار. وأنه كانت هناك شكاوى عامة حول ظروف عمل المعلمين المنخرطين في عملية تعليم الكبار والتي تعوق التطور المهني وتُنقص من القدرة على مواصلة التعليم أثناء الخدمة وتدريب الموظفين.

لذا يجب أن يستجيب المنهج لاحتياجات الطلاب فيما يتعلق بتعليم المواطنة العالمية وتعليم التنمية المستدامة؛ أي يجب أن يساعد المنهج على نشر إطار عمل الأمم المتحدة الشامل لتعزيز سبل السلام والاستدامة بطريقة ذات صلة بالقضايا المحلية. ولكي يحفِّز المنهج الدراسي مجموعات متنوعة من الطلاب ويشركهم في المسألة فإنه يجب أن يكون بالإمكان تصميم برامج لتناول القضايا ذات المغزى وذات الصلة بكل مجموعة طلابية. لذلك ينبغي على المعلمين المنخرطين في عملية التعليم من أجل المواطنة العالمية GCED أن يكونوا مستعدين وقادرين على تكييف أنشطة التدريس والتعلُّم الخاصة بهم.

3 أهداف رئيسة

كما يجب أن يكون لأي منهج دراسي موجه للمعلمين المنخرطين في عملية التعليم من أجل المواطنة العالمية GCED ثلاثة أهداف رئيسة:

  1. تزويد المعلمين والمربيين والميسرين بالكفاءات التي يحتاجون إليها للاستجابة لاحتياجات عملية تعليم المواطنة العالمية للطالب بطرق ذات معنى محلي.
  2. العمل في ظل الموارد الموجودة / المتاحة.
  3. إتاحة الفرص للشباب والكبار للمشاركة وطرح الأسئلة والاستماع إليهم.

يجب أن يؤكد إطار المناهج الدراسية أنَّ معلمي تعليم المواطنة العالمية المنخرطين في عملية تعليم الكبار بحاجة إلى أن يلموا بنظريات تعلّم الشباب والكبار، وأن يمتلكوا المعرفة الخاصة بتعليم المواطنة العالمية، وأن يمتلكوا أيضاً القدرة على استخدام نماذج التعلُّم المختلفة لتسهيل مناقشات الطلاب وتقييم مستوى تقدمهم، وأن يكونوا على دراية بمجموعة متنوعة من الأطر الأخلاقية والقيمية والأساليب العملية المختلفة للتعليم والتعلُّم. كما يحتاج اختصاصيو التربية أيضاً إلى خبرة في التخطيط والتنظيم والتواصل لتوفير الخدمات.

 

* مقتبس من تقرير بعنوان
Addressing global citizenship education in
adult learning and education: summary report
رابط التقرير:
https://unesdoc.unesco.org ark:/48223/pf0000372425