هرم الوعي.. الطريق إلى مجتمع المعرفة
الوعي هو مفهوم شامل يدخل في مختلف الأنشطة والمجالات التي يقوم بها البشر في كافة المجالات. ويتطلب الوعي القضاء على كل أشكال الأمية التي قد تقف حائلاً دون بناء مجتمع المعرفة. وتقع مسؤولية محو الأمية بأشكالها المختلفة على عاتق المجتمع بكل فئاته، بما في ذلك الحكومات والمؤسسات والأفراد.
وتستعرض هذه المقالة الطريق نحو بناء مجتمع المعرفة من خلال ترسيخ الوعي المعرفي لدى كل أفراد المجتمع بمجابهة كل أنواع الأمية، التي تشمل الأمية القرائية والرقمية والإعلامية والمعلوماتية والعلمية. وتمثل هذه الأنواع أهم مقومات بناء مجتمع المعرفة، الذي يؤهل أفراده للتعامل مع كل أشكال وأنماط المعرفة في القرن الواحد والعشرين. وقد تم عرض أنواع الأمية في تدرّج هرمي يشير إلى حجم الفئة المستهدفة في كل مجتمع، والتي يجب أن تمتلك المهارات والكفايات التي تمكّنها من المشاركة الفعّالة بتلك المهارات في تثبيت أركان مجتمع المعرفة في الدول والمؤسسات.
الأمية القرائية
الأمية أحد أهم المظاهر السلبية التي تنتشر بكثافة في العديد من المجتمعات العربية وغيرها من دول العالم الثالث ومعظم الدول النامية. وعادة ما يتم تعريفها على أنها «عدم قدرة الإنسان على القراءة والكتابة والحساب، وافتقاره إلى المهارات التي تمكِّنه من تنفيذ الأنشطة والعمليات التي تعتمد على مهارات التعليم الأساسي ». وتجدر الإشارة إلى أنه توجد تصنيفات عمرية متنوعة للأميين؛ ففي البلدان العربيّة، يُعدّ الشخص الذي يصل إلى سن الثانية عشرة ولا يستطيع القراءة والكتابة أميّاً، أما الدول المتقدمة والكبرى كاليابان فترى أن الشخص الذي لم يحصل على المستوى العلميّ الذي يؤهّله لفهم واستيعاب جميع التعليمات الكتابيّة في الأمور المتعلّقة بالتقنيات الخاصة بعمله شخص أُميّ، بالرغم من حصوله على العديد من الشهادات العلميّة.
وبالتالي، فإن تخطي مرحلة الأمية القرائية يتطلب أن يمتلك الشخص أربعة مقومات أساسية:
1. القدرة على القراءة الفعالة
2. تعلم أساسيات الكتابة
3. تعلم مبادئ الرياضيات والحساب
4. التواصل الفعال مع المجتمع بأدوات القراءة والكتابة
5. التفاعل القرائي المستمر الذي يعد الضمانة الأساسية لعدم الانتكاسة والعودة إلى الأمية.
الأمية الرقمية
تشير الأمية الرقمية إلى قدرة الفرد على الاستخدام والتوظيف الفعال لأساسيات التعامل مع الحاسوب والمنصات الرقمية المتاحة من خلال شبكة الإنترنت. وقد ركزت الأمية الرقمية في بداياتها على تعلم المهارات الرقمية التي تمكِّن الإنسان من التعامل الفعال مع أنظمة الحاسوب الآلي، وتطورت مع الوقت لتشمل التعامل مع شبكة الإنترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى غرار التعريفات الموسعة الأخرى لمحو الأمية التي تعترف بالطرق الثقافية والتاريخية لصنع المعنى، فإن الأمية الرقمية لا تحل محل الأشكال التقليدية لمحو الأمية، وبدلاً من ذلك تبني وتوسع المهارات التي تشكل أساس الأشكال التقليدية لمحو الأمية. يجب اعتبار محو الأمية الرقمية جزءاً من الطريق إلى المعرفة. وقد أعدت اليونسكو اختباراً شاملاً للأمية الرقمية تستخدمه معظم الجامعات العالمية لتحديد مستوى الطلاب في التعامل مع البيئة الرقمية يعرف بالرخصة الدولية لقيادة الحاسوب.
من ثم يمكن القول: إنَّ الأمية الرقمية تتضمن محاور أساسية 5 محاور أساسية هي:
1. التعامل الفعال مع الأجهزة الرقمية (الحاسوب والأجهزة الذكية الأخرى)
2. القدرة على التفاعل مع البرمجيات وأنظمة المعلومات
3. التواصل الفعال والمشاركة في البيئة الرقمية من خلال منصات التواصل المتنوعة.
4. الحفاظ على الأمن الرقمي للأشخاص في بيئة الإنترنت ومعرفة مبادئ الحفاظ على الأمن الشخصي الرقمي في تلك البيئة.
5. القدرة على إنتاج محتوى رقمي ومشاركته في البيئة الرقمية.
تمثل الثقافة المعلوماتية
محوراً هام من محاور العمل
في تخصص المكتبات وعلم
المعلومات بصفة عامة
الأمية المعلوماتية
تعرف رابطة مكتبات الكليات والبحوث محو الأمية المعلوماتية على أنه «مجموعة من القدرات المتكاملة التي تشمل القدرة على تحديد الاحتياجات المعلوماتية والبحث عنها واكتشافها واختيار وتقييم محتواها المعرفي، إلى جانب فهم كيفية إنتاج المعلومات وتقييمها، واستخدام المعلومات في تكوين معرفة جديدة والمشاركة بشكل أخلاقي في مجتمعات التعلم».
وتوجد العديد من المصطلحات المستخدمة للدلالة على الأمية المعلوماتية، منها الثقافة المعلوماتية، الوعي المعلوماتي. وتمثل الثقافة المعلوماتية محوراً هاماً من محاور العمل في تخصص المكتبات وعلم المعلومات بصفة عامة. وقد وصفت جمعية المكتبات والمعلومات الأمريكية ALA محو الأمية المعلوماتية بأنه تمكين الأفراد من التحديد والاستخدام والتوظيف الفعال للمعلومات، مشيرة إلى أنه لكي يكون الشخص على دراية بالمعلومات يجب أن يكون قادراً على معرفة وقت الحاجة إلى المعلومات وأن يكون لديه القدرة على تحديد وتقييم واستخدام المعلومات المطلوبة بشكل فعال، وهي تشمل العديد من المهارات التي تمكِّن الإنسان من التعامل الفعال مع المحتوي المعلوماتي والمعرفي المتاح من خلال مصادر المعلومات المتنوعة، سواء الورقية أو الرقمية، وتشمل ما يلي:
1. القدرة على تحديد الاحتياجات المعلوماتية وصياغتها في صورة استفسار معلوماتي.
2. القدرة على اختيار مصدر المعلومات الملائم للاحتياجات المعلوماتية لكي يتم البحث فيه.
3. القدرة على الوصول والتعامل مع تلك المصادر بكفاءة وفاعلية.
4. القدرة على تقييم المعلومات المتاحة من خلال تلك المصادر واختيار المعلومات الصحيحة واستبعاد المعلومات غير الصحيحة.
5. تطبيق آليات وأدوات تجميع المعلومات التي تمكِّن الإنسان من إعادة استخدامها.
6. القدرة على مشاركة المعلومات من خلال قنوات بث وإتاحة المعلومات.
7. القدرة على تطبيق المعلومات في الأنشطة التعليمية والمهنية والبحثية والثقافية والاجتماعية...الخ.
الأمية الإعلامية
يشمل محو الأمية الإعلامية الممارسات التي تسمح للناس بالوصول إلى وسائل الإعلام بصفة عامة واستخدامها وتوظيفها وتقييمها بشكل نقدي. ولا تقتصر الأمية الإعلامية على وسيط واحد؛ حيث تشمل كل أنواع الوسائط والمنصات الإعلامية. وتعرِّف الرابطة الوطنية للتعليم محو الأمية الإعلامية بأنه القدرة على الوصول إلى جميع أشكال الاتصال وتحليلها وتقييمها وتوظيفها والتعامل معها.
يهدف محو الأمية الإعلامية إلى تعزيز الوعي بتأثير وسائل الإعلام وخلق موقف نشط تجاه كل من استخدام وسائل الإعلام وتوظيفها. يعد تعليم محو الأمية الإعلامية جزءاً من المناهج الدراسية في الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، ويشارك مجتمع عالمي متعدد التخصصات من علماء ومعلمين في محو الأمية الإعلامية ومشاركة المعرفة من خلال المجالات العلمية والمهنية والجمعيات المتخصصة والوطنية.
ويمكن من خلال وضع برامج لمحو الأمية الإعلامية تعليم الأشخاص العديد من المهارات التي تمكِّنهم من التعامل الفعال مع المنصات الإعلامية المختلفة وما تبثه من معلومات، وتشمل تلك المهارات ما يلي:
1. مهارات الوصول إلى الوسائل والمنصات الإعلامية المختلفة والتمييز بينها.
2. مهارات تحليل وتقييم المعلومات الإعلامية وتمييز الأشكال المختلفة للمعلومات الإعلامية (التصريح، الرأي، الخبر، النبأ، المعلومات، الحقائق...الخ).
3. اكتساب مهارات المشاركة في البيئة الإعلامية، وخاصة في منصات الاتصال والتواصل الاجتماعي.
4. تعلم مهارات تمييز وإنتاج المحتوى الرقمي الملائم لكافة أنواع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية.
5. اكتساب المهارات البيئة التي تمكِّن الإنسان من فهم منظومة القيم والأخلاقيات والقوانين الحاكمة للمنصات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي واقتصاداتها.
الأمية العلمية:
يعد محو الأمية العلمية مصطلحاً جديداً إلى حد ما، يشير إلى القدرة على التوظيف الفعال للمنهج العلمي في التعامل مع كل القضايا، حيث يركز على التفكير العلمي وفهم الطرق والأدوات وأساليب القياس والتحليل والتقييم القائمة على أساليب علمية دقيقة من ملاحظات وبراهين وقياسات كمية ونوعية، فضلاً عن الفهم الأساسي للمنظومة العلوم المتخصصة Disciplinary وعلاقاتها الداخلية in-disciplinary ، والتداخل بينها Interdisciplinary . وتختلف الأمية العلمية عن كل أنواع الأمية السابق عرضها؛ لأنها لا يمكن وصفها بأنها مهارات كما سبق مع باقي أنواع الأمية، ولكنها كفايات شاملة للتعامل مع المعلومات العلمية من حيث الفهم العميق لآليات إنتاج العلم وتوظيفه في خدمة المجتمع لتحقيق التنمية. وتشمل كفايات الأمية العلمية أربع كفايات أساسية هي:
1. الكفايات التخصصية التي تمكِّن العلماء من فهم مجالاتهم العلمية ومصادر المعلومات العلمية في تلك التخصصات، وكيفية الوصول إليها وتمييزها وتوظيفها في كل مرحلة من مراحل البحث العلمي، فضلاً عن تعرف التقاطعات التي تربط بين تخصصاتهم والتخصصات الأخرى المتداخلة من الناحية البينية والتقاطعات والتداخلات بين العلوم وتأثير بعضها في بعض.
2. الكفايات المنهجية، وتشمل معرفة دقيقة وعميقة بكل المناهج العلمية وكيفية توظيفها وتطبيقها في الدراسات بكل أدواتها المنهجية، إلى جانب إجراء التحليلات الإحصائية واختبار الفروض العلمية والتحقق من دقتها.
3. الكفايات التعليمية والاجتماعية، وتتضمن قدرة العلماء على توصيل ومشاركة معارفهم من خلال المحاضرات والمشاركة في المؤتمرات والندوات والبرامج التي تمكِّن المجتمع من تعرُّف الظواهر والحلول العلمية المقترحة لتلك الظواهر .
4. الكفايات الأخلاقية: وتعد تلك النوعية من الكفايات من أهم الكفايات التي تركز عليها المنظومة العلمية، حيث إن العمل بلا أخلاق يقود المجتمعات إلى انحرافات كبيرة لعل أقلها تأثيراً الانتحال والسرقات العملية، وأشدها إجراء اختبارات على البشر دون الالتزام بالاشتراطات العلمية، مما يعرِّض الجنس البشري بأكمله لمخاطر التلاعب الجيني أو مخاطر الأمراض التي لا يعرف مصدرها...الخ.
* أ.د. خالد عبد الفتاح مستشار الحلول المعرفية والرقمية مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة