التعليم عن بُعد أسس لتجربة رائدة عابرة للحدود

تعد الكاتبة الكويتية هدى الشوا، حاصلة على درجة ماجستير التربية في تعليم اللغة الإنجليزية من كلية نيو جيرسي بالولايات المتحدة وبكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية من الجامعة الأمريكية في القاهرة، من أبرز الأسماء التي تكتب في ميدان أدب الطفل، فقد حاز كتابها المتميز «رحلة الطيور إلى جبل قاف » جائزة الشيخ زايد للكتاب لأدب الأطفال عام 2008 . كما اختارتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة أخيراً للتدريب في برنامج دبي الدولي للكتابة، حيث عملت على تدريب تسعة موهوبين في حقل الكتابة للطفل في ورشة استمرت أربعة أشهر أثمرت عن تسع قصص مكتملة العناصر الفنية والفكرية.

ألَّفت العديد من كتب الأطفال، منها الكتاب المتميز، «رحلة الطيور إلى جبل قاف» ، «دعوى الحيوان ضد الإنسان عند ملك الجان» ، «الرجل الأصفر »، « كاشف الأسرار »، « رحلة فيل » ، «أبوللو على شاطئ غزة» .

أسست شركة «طاقة » للإنتاج، التي تنتج المشاريع الثقافية في الكويت والمنطقة العربية؛ من إنتاجها الأوبريت العربي «أخناتون »، والفيلم الوثائقي القصير، «غرفتي الوردية »، والمونودراما « Freya  »وغيرها.

في هذا الحوار مع مجلة «ومضات » تكشف هدى الشوا بعض أورق عملها في الكتابة والتدريب وتسرد قصة نجاح تتوجها قيمة العمل الذي تنتشر فائدته لتصل إلى أقاصي الوطن العربي.

ثغرات وفراغات

* لماذا اخترت الكتابة للطفل في وقت يتجه فيه الكثير من الكتاب نحو كتابة الرواية للكبار؟

- كانت أول تجربة لي في كتابة أدب الطفل لسد ما وجدته من ثغرات وفراغات في كتب الأطفال قبل خمسة عشر عاماً تقريباً، أغلب ما كان موجوداً آنذاك كتب مترجمة، أو كتب مباشرة في خطابها الوعظي. ولم أجد من الكتب العربية ما ينافس جمال وإبداع الكتب الأجنبية. كانت ابنتي الصغيرة مغرمة بالخيل، وتقرأ العديد من القصص عن عوالم الخيل باللغة الإنجليزية. فأردتُ أن أكتب قصة مستوحاة من عالم الفروسية العربي، قدمت تجربتي الأولى مع قصة «عنبر » وفيها إشارة إلى أجواء الفارس الشاعر العربي عنترة بن شداد، والمعروف بعلاقته الخاصة مع حصانه الأبجر. لم أفكر بالكتابة للكبار، رغم كتابتي عدداً من المسرحيات للصغار وللكبار. وأنا سعيدة بالتطوّر الذي يحصل الآن في مجال أدب الطفل، الذي يعيش فترة ازدهار ذهبي في الزمن الحالي. أرتكزُ على مبدأ التعليم الترفيهي edutainment في صنعتي، إيماناً بأن المحتوى الإبداعي الذي أقدمه لا بد أن يكون مشوقاً، مسلياً، بعيداً عن الوعظية والخطابية، وأن يتيح المجال للتساؤل، للتفكير، وللتغيير.. إضافة إلى إثراء القيمة المعرفية العلمية.

نقطة تحول

* أين تضع هدى الشوا نفسها قبل جائزة زايد للكتاب وبعد فوزها بالجائزة؟

- كان فوزي بجائزة الشيخ زايد نقطة تحول في مساري الأدبي، إذ أدركتُ أن مشواري الأدبي في هذا العالم المبهج لا بد أن يتطور ويستمر ويُصقَل. فتحت لي الجائزة الأبواب للمشاركة في العديد من الفعاليات والندوات ضمن معارض الكتب العربية، مثل معرض القاهرة للكتاب، ومعرض أبوظبي، ومهرجان الإمارات للآداب، ومهرجان الشارقة القرائي مما أتاح لي التواصل مع جهات عديدة، من المؤلفين والناشرين والناشطين والفاعلين في صناعة أدب الطفل بكل تجلياتها: فنون الرسم، والمسرح، والكتابة لبرامج الطفل التلفزيونية.

حقيقة، أنا مدينة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تحظى بمصداقية عالية وتقدير عربي وعالمي، لوضعي على درب الكتابة الإبداعية، ولن أنسى حفل توزيع الجوائز في قصر الإمارات، الذي كان أمسية من العمر.

مؤشرات إيجابية

* عدد الكُتاب الذين يكتبون للطفل يتزايد في السنوات العشر الأخيرة، ما هو مؤشر ذلك؟

- هذا مؤشر حيوي وصحي، أتابع باهتمام المنتج الأدبي الراهن للأطفال، ومن الملاحظ النقلة النوعية في مجال أدب الطفل من كل النواحي: إخراج الكتب، المحتوى، الرسومات المصاحبة، التقنيات المستعملة، ومن الملاحظ أيضاً ازدهار مشاريع ومبادرات رقمية في تقديم محتوى تربوي وإبداعي للأطفال، وهذه كلها مؤشرات إيجابية.

* هل ترافقت طفرة الكتابة للطفل بمواكبة نقدية من قبل نُقاد معروفين بعيداً عن النقد الانطباعي السريع؟

- في رأيي المبادرات الجادة الإبداعية هي التي تستقطب النقد الجاد الإبداعي، مثل مبادرة تحدّي القراءة، التي استقطبت مشاركة عربية واسعة، وتعكس اهتماماً أصيلاً ومدروساً لدعم فعل القراءة بطريقة غير مسبوقة. ما زلنا بحاجة إلى المزيد من العمل الجاد في دعم القراءة، على جميع المستويات؛ بدءاً من وزارات التربية والتعليم، في الصف المدرسي، في البيت، وفي المكتبة، إلى مبادرات إبداعية مستقلة في القطاع الخاص. الأبحاث والدراسات النقدية هي جزء من «صناعة » أدب الطفل التي تتكون من عدة عناصر: مؤلفون، رسامون، فنانون، ناشرون، موزعون، والقوة شرائية في المكتبات، المدارس. لا بد لكل هذه العناصر أن تدور حتى تلحق ببعضها بعضاً. وقد تكون الشراكات بين القطاع العام والخاص أنجح الطرق لتحقيق ازدهار في صناعة أدب الطفل في جميع مستوياته.

إضاءة

هدى الشوا كاتبة كويتية تكتب في حقل أدب الطفل والناشئة. وهي مؤسسة ومديرة استوديو «الطاقة الإبداعية » لإنتاج العروض المسرحية في الكويت. من أعمالها المسرحية: إخناتون، إيكارا، فيل في المدينة، جلّنار وطائر النار، وسلسلة «دُمى في دارنا».

حازت هدى جائزة الشيخ زايد في فرع أدب الطفل 2008 ، وجائزة دولة الكويت في فرع أدب الطفل 2017 . تشمل إصداراتها: (من دار الساقي، بيروت): رحلة الطيور إلى جبل قاف (الحاصل على جائزة الشيخ زايد 2008) دعوى الحيوان ضد الإنسان عند ملك الجان، كاشف الأسرار، رحلة فيل (حائز جائزة دولة الكويت التشجيعية 2017) جلّنار أميرة زنجبار. ومن إصدار مؤسسة تامر التعليمية: ماذا يحدث في حديقة البيّارة، أبوللو على شاطئ غزة، تنّين بيت لحم، سماء سامية الملونة، ستّي الفلسطينية، محرّك الدُمى. ومن دار ذات السلاسل الكويتية: النخل صور، مسابقة الطبّاخين، أميرة من بلاد ما وراء النهر ( 2020 ).

معايير الكتابة

* أنت مدربة كتابة للطفل، ما هي مقومات المدرب في هذا الميدان وما هي أدواته؟

- أفضِّلُ مفهوم «الميسر facilitator » في منظومة التدريب، لإتاحة مساحة للتبادل المعرفي الفعّال بين المجموعة المتدربة، حيث الجميع شركاء في خلق «معرفة »، إضافة إلى اكتشاف الاستراتيجيات ومعايير كتابة أدب الطفل. فالكتابة الإبداعية هي مهارة، تتطلَّب الصقل والتجويد والتطوير والاشتغال الإبداعي ولها أصول فنية ومعرفة علمية؛ إضافة إلى الموهبة الفطرية التي تلعب دوراً في الكتابة الإبداعية، لذا تضمنت الدورة مجموعة من المعايير والمفاهيم في الكتابة الإبداعية، كالاختيارات الفنية الواعية المناسبة، من اختيار العنوان، والتراكيب اللغوية، صيغ الضمائر، الصيغة الزمنية المناسبة للنص، اختيار وتطوّر الشخصية، رسم الحبكة، والنهاية المؤثرة. كما نوقشت الممارسات الفضلى في الكتابة الإبداعية، من اختيار الفكرة إلى مخطط الكتابة، وصولاً إلى النهاية، وتضمنت الدورة عرض وتحليل وتفكيك نماذج من القصص العربية، ضمن معايير تقييم محددة. كل هذا شكّل أدوات وُضعت أمام الكاتب لإنتاج كتابة إبداعية.

الكتابة الإبداعية مهارة
تتوجب الصقل والتجويد
والتطوير والاشتغال الإبداعي
ولها أصول فنية ومعرفة
علمية

قد اتجهت المؤسسات والجامعات والمعاهد التعليمية الأكاديمية الغربية إلى تعليم مادة الكتابة الإبداعية Creative writing وهو مجال أكاديمي جديد نوعاً ما في عالم التعليم الغربي، وما زلنا بحاجة إلى توطين هذا الحقل المعرفي في المؤسسات العربية، كتأسيس برنامج بكالوريا أو ماجستير مثلاً في الكتابة الإبداعية في جامعاتنا العربية، وبالطبع هذا يختلف تماماً عن ماجستير اللغة وآداب العربية. وفي غياب هذه البرامج الأكاديمية، يقوم برنامج دبي الدولي للكتابة بتوفير بيئة حاضنة لدعم مواهب الشباب العربي وتطوير مهاراتهم الكتابية عبر البرامج الثقافية الإبداعية المتنوعة التي يقدمها البرنامج.

حلول مبتكرة

* هل ساعد التدريب عن بُعد على تحقيق أهداف برنامج دبي الدولي للكتابة من وجهة نظرك؟

- أعتقد أن خوض مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة مجال التدريب الافتراضي (عن بُعد)، من خلال برنامج دبي الدولي للكتابة، كانت من أوائل المبادرات العربية في التحوّل الرقمي في ميدان التدريب الافتراضي، لتقدم حلولاً مبتكرة وبدائل لمفهوم التدريب التقليدي (الوجاهي). وهذا يعكس توجه المؤسسة في مواكبة التقنيات المعاصرة كنهج مستدام. بالنسبة لتقييمي الخاص للتجربة، فإنها ناجحة بامتياز، من حيث التزام المتدربين بالوقت، والحضور، والتفاعل، عبر منصة البرنامج في أجواء مريحة وهادئة وبدعم ومتابعة فريق برنامج دبي الدولي للكتابة المهني الذي أشرف على كل خطوة من خطوات الورشة ووفّر كل مستلزمات نجاح البرنامج. كما أن التدريب عن بُعد أسس لتجربة ثقافية رائدة عابرة للحدود، من خلال التعرف على زملاء وزميلات من المتدربين من مختلف أرجاء الوطن العربي، والتعرّف إلى تجاربهم المتنوعة. فكان من الممكن لمتدربين من الجزائر مثلاً التواصل مع متدربين في دبي والكويت. أتاح هذا الانفتاح للمتدربين الاطلاع على مبادرات ثقافية لم نكن لنتعرف إليها لولا خاصية «عن بُعد »، التي فتحت آفاقاً واسعة للتلاقح الثقافي المتنوع.

أرتكزُ على مبدأ التعليم
الترفيهي إيمان بأن المحتوى
الذي أقدمه لا بد أن يكون
مشوقاً بعيداً عن الوعظية
والخطابية

* هل كانت فترة التدريب (4 أشهر) كافية لإعداد كاتب مؤهل لكتابة قصة للأطفال؟

- نعم. أرى أنها كانت مدة كافية لتحقيق الهدف وهو إنتاج قصة أطفال لكل متدرب، وقد أنتجت الورشة تسع قصص جميلة وأشعر بالفخر والسعادة أنها ثمرة هذا العمل الدؤوب.

البدائل الافتراضية

* ما هي نصيحتك للمتدربين في دورات برنامج دبي الدولي للكتابة (الكتابة للطفل)؟

- أنصح المتدربين بتجاوز مفهوم أنماط النشر الورقي التقليدي، والتفكير بالبدائل الافتراضية والرقمية التي تواكب الحياة العصرية، فعالم أدب الطفل عالم بديع فسيح؛ يشمل، إضافة إلى النشر الورقي، ميادين النشر الإلكتروني والمنصات الرقمية والتطبيقات الإلكترونية وكتابة محتوى content للألعاب الإلكترونية أيضاً. هناك نقص كبير في الوسائط العربية غير المدبلجة أو المترجمة، وهناك ازدياد في الطلب على إنتاج محتوى عربي مبتكر حداثي، يخاطب طفل الآيباد والهواتف الذكية والتطبيقات، عبر كتابة إبداعية توفّر محتوى مميّزاً ومشوّقاً، وبرؤية فنية مستمدة من البيئة المحلية. فنصيحتي للكتاب: لا تهملوا المواقع والمنصّات الرقمية في مجال القصص والألعاب لتقديم محتوى عربي مبتكر، لتلبية احتياجات المراحل الراهنة والقادمة، خاصة في ظروف جائحة كورونا وما بعد كورونا، وفي راهن تحوّل رقمي صاعد في كل مجالات صناعة الثقافة.

مشروع بنَّاء

* لو قيض لك تكرار التجربة مع برنامج دبي الدولي للكتابة، هل ستعيدين الكرَّة؟ ولماذا؟

بالتأكيد سأعيدها بلا تردد، لأنها جدَّدت مواطن المعرفة لدي، وأمدتني بطاقة خلّقة في مجال عملي وشغفي، خاصة أن التجربة ضمن إطار عمل مؤسسي لا يهدف للربح، فالهدف هو بناء الوعي المعرفي العربي، بدءاً من اللبنة الأساسية في بناء الوعي المعرفي الإنساني وهي الطفولة.