قصة مثل (الجزء الأول)
1) "كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا".
[الفَرَا: الحِمَارُ الوَحْشِيُّ].
مضرب المثل:
يضرب لمن يُفَضَّلُ على أَقْرَانِه.
قصة المثل:
أصل المثل أنَّ ثلاثة نَفَرٍ خرجوا متصيِّدين، فاصطاد أحدُهم أرْنَبًا، والآخر ظَبْيًا، والثالث: حمارًا، فاستبشر صاحب الأرنب، وصاحب الظبي بما نالا، وتطاولا عليه، فقال الثالث: كُلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرَا، أي هذا الذي رُزِقْتُ وظَفرْتُ به يشتمل على ما عندكما، وذلك أنه ليس مما يصيدُه الناس أعْظَمُ من الحمار الوحشي.
2) "قَطَعَتْ جَهِيزَةُ قَوْلَ كُلِّ خَطِيبٍ"
مضرب المثل:
يضرب لمن يقط على الناس ما هم فيه بَحَمَاقةً يأتي بها.
قصة المثل:
أصله أن قومًا اجتمعوا يخطبون في صُلحٍ بين حَيَّينِ قتل أحدُهُما من الآخَر قتيلاً، ويسألون أن يرَضوا بالدِّية، فبينا هم في ذلك إذ جاءت أَمَةٌ يُقَال لها "جهيزة"، فَقَالت: إن القاتلَ قد ظَفِرَ به بعضُ أولياءِ المقتول فقَتَلَهُ، فَقَالوا عند ذلك: "قَطَعَتْ جهِيزةُ قولَ كلِّ خَطِيبٍ"، أي قد استغنى عن الخُطَب.
3) "عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى"
[السُّرَى: سَيرُ عَامَّةِ الليلِ].
مضرب المثل:
يضرب للرجل يحتمل المَشَّقةَ رَجَاءَ الراحة.
قصة المثل:
قال المفضل: إن أول مَنْ قال ذلك خالد بن الوليد لما بَعَثَ إليه أبو بكر رضي الله عنهما وهو باليمامة: أن سِرْ إلى العراق، فأرادَ سُلوكَ المَفازة، فقال له رافع الطائي: قد سلكتها في الجاهلية، وهى خِمسٌ [الخمس من الفلوات: ما بعد ماؤها حتى يكون ورود الإبل في اليوم الخامس] للإِبل الواردة، ولا أظنك تقدِرُ عليها إلا أن تحمل من الماء، فاشترى مئة شارف [الشارف من النوق: المسن الهرمة] فعطَّشَها، ثم سَقَاها الماء حتى رَوِيت، ثم كتَبَها وكَعَم أفواها، ثم سلك المَفَازة حتى إذا مضى يومان، وخاف العطَشَ على الناس والخيل، وخشى أن يذهب ما في بطون الإبل نحَرَ الإبلَ، واستخرج ما في بطونها من الماء، ومضى، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع: انْظُرُوا هل تَرَوْنَ سِدْرًا عِظاماً؟ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك، فنظر الناسُ فرأوا السِّدْر، فأخبروه، فكبَّر، وكَبَّر الناس، ثم هجموا على الماء، فقال خالد:
لله دَرُّ رَافِعٍ أَنَّي اهْتَدَى ... فَوّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى
خِمْساً إذا سار بِه الجيشُ بَكَى ... ما سَارَهَا من قبله إنْسٌ يُرَى
عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى ... وَتَنْجَلِي عَنهُمْ غَيَابَاتُ الْكَرَى
4) "شِنْشنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمِ".
[الشِّنْشِنةُ: الطبيعةُ والعادةُ].
مضرب المثل:
يُضْرَبُ في قُرْب الشَّبَه.
قصة المثل:
قال ابن الكلبي: إن الشعر لأبي أخزم الطائي، وهو جَدُّ أبي حاتم، أو جَدُّ جَدِّه، وكان له ابن يقال له أخزم، وقيل: كان عاقًّا، فمات وترك بنين، فوثَبُوا يومًا على جَدِّهم أبي أخْزَمَ فأدْمَوْهُ، فقال:
إنَّ بَنـِيَّ ضَرَّجُونِي بالدَّمِ ... شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا من أَخْزَمِ
يعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العُقُوق. وفي الحديث أن عمر ــ رضي الله عنه ــ قال لابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ حين شاوره فأعجبه إشارتُه: شِنْشِنَةٌ أعرفها من أَخْزَم، وذلك أنه لم يكن لقرشي مثلُ رأى العباسِ ــ رضي الله عنه ــ فشبَّهه بأبيه في جَوْدة الرأي.
5) "رَمَتْنِي بِدَائِها وانْسَلَّتْ".
مضرب المثل:
يُضْرَبُ لمن يُعَيِّر صاحبَه بِعَيبٍ هو فيه.
قصة المثل:
هذا المثل لإحدى ضرائر رُهْم بنتِ الخَزْرَج امرأة سَعْد بن زيد مَنَاة رَمَتْها رُهْم بعيبٍ كان فيها، فقالت الضرة: رمتني بدائها وانسلت.
6) "وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ"
مضرب المثل:
يضرب للمتوافقين.
قصة المثل:
كان شَنٌّ من دُهاة العرب وعُقَلاَئهم، فَقَالَ: والله لأَطُوفَنَّ حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها، فبينما هو في بعض مَسِيرَه إذ وافقه رَجُلٌ في الطريق، فسأله شَنٌّ: أين تريد؟ فَقَالَ: موضعَ، كذا، يريد القربة التي يَقْصِدها شَنٌّ، فوافقه حتى أخذا في مسيرهما، قَالَ له شَنٌّ: أتحْملُنِي أم أحْمِلُكَ؟ فَقَالَ له الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟ فسكتَ عنه شَنٌّ وسارا حتى إذا قَرُبا من القرية، إذا بزَرْع قد استحْصد، فَقَالَ شَنٌّ: أترى هذا الزرع أُكِلَ أم لاَ؟ فَقَالَ له الرجل: يا جاهل ترى نَبْتاً مُسْتَحْصِداً فتقول أُكِلَ أم لاَ؟ فسكَتَ عنه شَنٌّ حتى إذا دخلاَ القرية لَقِيَتْهُما جِنَازة فَقَالَ شن: أترى صاحبَ هذا النّعْشِ حيًّا أو ميتًا؟ فَقَالَ له الرجل: ما رأيتُ أجْهَلَ منك، ترى جِنَازة تسأل عنها أمَيْتٌ صاحبُها أم حي؟ فسكت عنه شَنٌّ، فأراد مُفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه، فكان للرجل بنت يُقَال لها طَبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضَيفه، فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جَهْلَه، وحدَّثها بحديثه، فَقَالَت: يا أبت، ما هذا بجاهل، أمَّا قوله "أتحملني أم أحملك"، فأراد أتحدثُني أم أحَدِّثك حتى نقطع طريقنا، وأما قوله "أترى هذا الزرع أُكِلَ أم لاَ" فأراد هَلْ باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لاَ، وأما قوله في الجنازة فأراد هل ترك عَقِباً يَحْيا بهم ذكرهُ أم لاَ، فخرج الرجل فَقَعد مع شَنٍّ فحادثه ساعة، ثم قَالَ أتحبُّ أن أفسِّرَ لك ما سألتني عنه؟ قَالَ: نعم فَسِّرْهُ، ففَسَّرَهُ، قَالَ شَنٌّ: ما هذا من كلامك فأخبرني عن صاحبه، قَالَ: ابنة لي، فَخَطَبها إليه، فزوَّجه إياها، وحملها إلى أهله، فلما رأَوْها قَالَوا: وافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ، فذهبت مثلاً.
وذكر الأَصمعي قصة أخرى للمثل غير هذه.
7) "مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ"
قصة المثل:
عُرْقُوبٌ: رجلٌ من العَمَاليق، أتاه أخ له يسأله، فَقَالَ له عرقوب: إذا أطْلَعَتْ هذه النخلة فلك طَلْعُها، فلما أطلعت أتاه للعِدَةِ، فَقَالَ: دَعْها حتى تصير بَلَحًا، فلما أبْلَحَتْ قَالَ: دَعْها حتى تصيرَ زَهْوًا، فلما زَهَت قَالَ: دَعْها حتى تصير رُطَبًا، فلما أرْطَبَتْ قَالَ: دَعْها حتى تصير تمرًا، فلما أتْمَرَتْ عمد إليها عرقوبٌ من الليل فجدَّها ولم يُعْطِ أخاه شيئًا، فصار مثلاً في الخُلْفِ، وفيه يقول الأشجعي:
وَعَدْت وَكاَنَ الخُلْفُ مِنْك سَجِيَّةً ... مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخَاهُ بِيَتْربِ
8) "حَسْبُكَ مِنْ شَرِّ سَمَاعُهُ".
أي اكْتَفِ من الشر بسماعه ولا تُعَاينه، ويجوز أن يريد يَكْفِيك سَمَاعُ الشر، وإن لم تُقْدِمْ عليه ولم تنسب إليه.
مضرب المثل:
يُضْرَبُ عند العَارِ والمقالةِ السيئةِ، وما يخاف منها.
قال أبو عبيد: أخبرني هشام بن الكلبي أن المثل لأم الربيع بن زياد العبسي، وذلك أن ابنها الربيع كان أَخَذَ من قيس بن زهير ابن جذيمة دِرْعًا، فعرض قيس لأم الربيع وهي على راحلتها في مَسِيرٍ لها، فأراد أن يذهب بها ليرتهنها بالدرع، فقالت له: أين عَزَبَ عنك عَقْلُك يا قيس؟ أترى بني زياد مُصَالحيك، وقد ذَهَبْتَ بأمهم يمينًا وشمالاً، وقال الناس ما قالوا وشاءوا؟ وإن حسبك من شر سماعه. فذهبت كلمتها مثلاً، تقول: كَفَى بالمَقَالة عارًا وإن كان باطلاً.
9) المثل: "بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى".
[الزُّبى: جمع زُبْيَة، وهي حُفْرة تُحْفَر للأسد إذا أرادوا صَيْده، وأصلُها الرابية لا يَعْلُوها الماء، فإذا بلغها السيلُ كان جارفًا مُجْحِفًا].
مضرب المثل:
يُضْرَبُ لما جاوز الحد.
10) "إِيَّاكِ أعْنِي وَأسْمَعِي يَا جَارَهْ".
مضرب المثل:
يُضْرَبُ لمن يَتَكَلَّمُ بكلامِ ويُرِيدُ به شَيئًا غَيرَه.
قصة المثل:
أول من قال ذلك سَهْل بن مالك الفَزَاريّ، وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمر ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيد الحي، فقيل له: حارثة بن لأم، فَأَمَّ رَحْلَه فلم يُصِبْه شاهدًا، فقالت له أخته: انْزِلْ في الرَّحْب والسَّعَة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خِبائها فرأى أجْمَلَ أهل دهرها وأكملهم، وكانت عَقِيلَةَ قومِها وسيدة نسائها، فرقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يَدْرِي كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بِفناء الخِباء يومًا وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول:
يَا أخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَهْ ... كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتًى فَزَارَهْ
أصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ ... إيَّاكِ أعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ
فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت: ماذا بقَوْل ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مصيب، ولا أنف نجيب، فأقِمْ ما أقَمْتَ مكرَّمًا ثم ارْتَحِلْ متى شئت مسلمًا، ويقال أجابته نظمًا، فقالت:
إنِّي أقُولُ يَا فَتَى فَزَارَهْ ... لاَ أبْتَغِي الزَّوْجَ وَلاَ الدَّعَارَهْ
وَلاَ فِرَاقَ أَهْلِ هذِي الْحَارَهْ ... فَارْحَلْ إلىَ أهْلِكَ بِاسْتِخَارَهْ
فاسْتَحْيا لفتى وقال: ما أردتُ منكرًا واسوأتاه ! قالت: صدقْتَ، فكأنها اسْتَحْيَتْ من تسرُّعها إلى تُهمَته، فارتحل، فأتى النعمانَ فَحَبَاه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبينا هو مقيم عندهم تطلَّعت إليه نفسُها، وكان جميلاً، فأرسلت إليه أنِ اخْطُبني إن كان لك إليَّ حاجة يومًا من الدهر، فإني سريعة إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه.
11) "نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامًا"
[قيل: إنه عصام بن شهير حاجبُ النعمان بن المنذر].
مضرب المثل:
يضرب في نَبَاهةِ الرجل من غير قَديم (أي من غير نسب عريق)، وهو الذي تسميه العرب "الخارجي"، يعنى أنه خرج بنفسه من غير أوَّلِيَّةٍ كانت له، قَالَ كثير:
أبَا مَرْوَانَ لَسْتَ بِخَارِجِيٍّ ... وَلَيْسَ قَدِيمُ مَجْدِكَ بِانْتِحَالِ
وفي المثل: "كن عصاميًّا، ولاَ تكن عظاميًّا".