كل الاعتذار للديمقراطية

هارولد جيمس

برلين ــ كان تسرع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في إلغاء قرار الإغلاق في عيد الفصح، الذي جاء الإعلان عنه على عَـجَـل، مفاجئًا، بل وصادمًا، نظرًا لسلوكها الهادئ دائمًا. الأمر الأكثر غرابة كان الاعتذار الذي قدمته إلى البرلمان: "الخطأ كان من جانبي وحدي ولا أحد غيري. لأنني في النهاية أتحمل المسؤولية كمستشارة. وأنا أبدي أسفي الشديد، وأطلب من مواطنينا المغفرة".

كانت ميركل محقة في عكس القرار. ذلك أنَّ الإغلاق المقترح، الذي نال الموافقة في مؤتمر مطول جمع قادة الحكومات الإقليمية الألمانية وانعقد في وقت متأخر من الليل، كان ليتسبب في إغلاق سلاسل توريد حيوية وإحداث قدر كبير من الفوضى في متاجر المواد الغذائية قبل الإغلاق المفاجئ. وربما كانت تكلفة تلك الخطوة لتتجاوز المال إلى الأرواح.

الواقع أنَّ قِـلة من الحكومات كانت على ذات القدر من الصراحة التي أبدتها ميركل حول حدود صلاحياتها. في مختلف أنحاء العالَـم، كشفت الجائحة عن المشكلات التي تواجه الديمقراطيات عندما تستجيب لمواقف معقدة وسريعة التغير. عندما تضطر الحكومات إلى اتخاذ مثل هذا العدد الكبير من القرارات، فمن المحتَّم أن يبدو بعضها ظالماً أو خاطئًا أو كلا الأمرين.

ومن المحتَّم أن تجسد القرارات بشأن القيود المفروضة على السفر، أو قواعد الإغلاق، أو ترتيب أولويات التطعيم درجة ما من التعسف. يتفق الجميع على وجوب إعفاء العمال الأساسيين من عمليات الإغلاق، ولكن لا يتفق الجميع على الكيفية التي ينبغي بها تعريف "الأساسي". فهل المعلمون من العمال الأساسيين؟ وإلى جانب العاملين في المستشفيات، أي من العاملين الطبيين الآخرين يجب أن يندرجوا تحت هذه الفئة؟ ربما يُـجري جراحو التجميل عمليات ليست على قدر كبير من الأهمية، ولكن ربما تشتد الحاجة إليهم أيضًا بعد وقوع حادث مروع. ومن المؤكد أن أوجه التمييز كافة لا بدَّ أن تتسبَّب في توليد الحسد وانعدام الثقة.

سياسات السفر أيضًا من الممكن أن تنتج مواقف لا تخلو من سَـخَـف، خاصة عندما يشتمل الأمر على استثناءات لصالح أصحاب النفوذ والعلاقات القوية. على سبيل المثال، فرضت المملكة المتحدة أخيرًا حظرًا كاملًا على السفر، لكنها استثنت سفريات العمل "الأساسية". وبناء على ذلك، اعتبر بعض الناس فجأة أنَّ رعاية ممتلكات في الخارج تشكل ضرورة أساسية. وسرعان ما ولِـدَت "ثغرة ستانلي جونسون"، التي أسميت بهذا الاسم نسبة إلى والد رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي برَّر السفر إلى اليونان على هذا الأساس.

وتُـعَـدُّ اللقاحات معضلة أكبر. فالحجة قوية، على سبيل المثال، لصالح تطعيم المقيمين في دور رعاية المسنين ومقدمي الرعاية لهم، لأنَّ كبار السن معرضون للخطر بشكل خاص ولأنَّ الفيروس ينتشر بسهولة في أماكن العيش المشتركة. لكن الحجة قوية أيضًا لصالح تطعيم الشباب والأشخاص كثيري التنقل الذين من المرجح أن تكون تنقلاتهم على نطاق أوسع، ومن المحتمل أن يكونوا ناشرين نشطين للعدوى.

السؤال الأكبر هو كيف يجب اتخاذ مثل هذه الاختيارات. هل ينبغي للناس أن يدلوا بأصواتهم عليها، أو هل تكون استمارات استطلاع الرأي كافية؟ إنَّ هذا النهج من شأنه أن يؤدي ببساطة إلى تعبئة بعض المجموعات الديموغرافية ضد مجموعات أخرى، لأنَّ الجميع سيصوتون لمصالحهم الشخصية. وما يزيد الأمور تعقيدًا على تعقيد مسألة الأمراض المصاحبة، التي تشكل غالبًا عاملًا حاسمًا في تحديد ما إذا كان الفيروس قاتلًا. وأكثر هذه الأمراض شيوعًا ــ الـسِّـمنة، وارتفاع ضغط الدم، والربو، والسكري ــ تأتي بدرجات متفاوتة من الشدة، وتؤثر في بعض المجموعات الديموغرافية (السكانية) بشكل غير متناسب. في بعض الولايات الأميركية، من الممكن أن يتقدم الصف المدخنون الحاليون والسابقون (في عدم وجود مخاطر مرتفعة عمليًّا).

من الصعب بذات القدر إجراء تقييمات سريعة لبيانات علمية معقدة، وخاصة عندما تكون الضغوط شديدة لإنتاج ونشر لقاحات آمنة وفَـعّـالة بأسرع وقت ممكن. وإثارة أي شكوك حول السلامة تدعو إلى تفاقم الشكوك ومقاومة اللقاحات. من بين العثرات الأخيرة في ألمانيا كان تعليق استخدام لقاحات AstraZeneca-Oxford بالتزامن مع اندلاع موجة ثالثة من الجائحة.

تتحمَّل الحكومات الديمقراطية أيضًا العبء الإضافي المتمثل في الاضطرار إلى مواجهة أخطاء الماضي. فقد تبيَّن أنَّ محاولة نيويورك لتوفير مساحة في المستشفيات بإرسال كبار السن المصابين بالعدوى إلى دور رعاية المسنين كانت سببًا رئيسًا في طفرة الوفيات الأولية (اتبعت السلطات الصحية في المملكة المتحدة مسارًا مماثلًا). عندما يبدو المسؤولون ــ على وجه التحديد محافظ ولاية نيويورك أندرو كومو ــ وكأنهم يتسترون على الأخطاء، فإنهم بهذا يضعفون الثقة بالحكومة في عموم الأمر. ولا عجب أنَّ الجائحة تسبَّبت في تعميق الانقسامات الحزبية ونثر المزيد من بذور عدم الثقة في مبادئ الديمقراطية الأساسية.

لا توجد إجابات سهلة. لكن أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) ربما تقدم درسين يمكن تعميمهما. أولًا، كلما كان النظام قائمًا على القواعد، زادت قدرته على التعامل مع الانتقادات بقوة. وتُـعَـدُّ عمليات الإغلاق المدفوعة بمعايير واضحة ومحددة سلفًا طريقة مباشرة لاحتواء ليس فقط الفيروس بل وأيضًا اللوم والسخرية.

ثانيًا، يمكن معالجة مشكلة ندرة اللقاح والتخصيص غير العادل بوضوح شديد من خلال إنتاج أكبر عدد ممكن من الجرعات. فمع الوفرة يأتي الصبر ــ ويقل السخط على أولئك الذين يمكنهم الوصول إلى اللقاحات في وقت مبكر.

صحيح أنَّ الدول لا تستطيع إنتاج وفرة من اللقاحات بمفردها. فقد اعتمدت معجزة التطوير السريع للقاحات على مشاركة عدد كبير من الشركات في عملية تنافسية في ظل مجموعة واضحة من الحوافز. كما ركزت شركات أخرى على إنتاج أدوية مضادة للفيروسات، ولم يكن أحد يعرف من قد ينجح ومن قد يصل إلى طريق مسدود. لم يكن بوسع أي مُـخَـطِّـط حكومي أن يتوصل بمجرد الحدس إلى كل الاختيارات الصحيحة في ظل المعرفة التي كانت متاحة.

كان المسار الصحيح، الذي تجسد في عملية Warp Speed في الولايات المتحدة، يتلخص في توفير التمويل الحكومي واتفاقيات الشراء المسبق لنطاق عريض من الجهود التجريبية التي تقوم بها شركات خاصة.

يبدو هذان النهجان ــ إطار قائم على القواعد وتحفيز المنافسة ــ أشبه بإجابة كلاسيكية عن السؤال القديم حول كيفية إشراك الدولة في العمليات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة. فكلاهما يؤكد الاحتياج إلى الشمولية، وليس القرارات التقديرية التي تفضي حتمًا إلى نتائج عشوائية. كلما كان التمسُّك بالمبدأ أقوى، قلَّت الحاجة إلى مناقشات محتدمة في وقت متأخر من الليل حول السياسات ــ أو اعتذارات.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

هارولد جيمس أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برنستون، وكبير زملاء مركز إبداع الحوكمة الدولية، وهو مؤلف الكتاب المرتقب "حرب الكلمات".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org