محمد بن راشد للمعرفة تناقش "أهمية نشر العلوم باللغة العربية"
أكَّدت أنَّ العلوم حصيلة تجارب إنسانية عقلية وفكرية ليست وقفاً على لغة دون أخرى
عقدت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، من خلال تقنية الاتصال المرئي، وعبر مبادرة "بالعربي"، جلسة نقاشية بعنوان: "أهمية نشر العلوم باللغة العربية"، تحدَّث فيها كلٌّ من الأستاذ محمد الشارخ، مؤسِّس ورئيس مجلس إدارة شركة صخر، والدكتورة ليلى العبيدي، أستاذ الأدب العربي القديم بجامعة الشارقة، وأدارتها الإعلامية الدكتورة بروين حبيب. حيث افتتحت الدكتورة بروين حبيب الجلسة بطرح فكرة الحلقة بسؤال مهم، وهو: هل اللغة العربية في محنة أم أصحاب اللغة العربية هم من وقعوا في المحنة؟ وهل اللغة العربية قادرة على التعبير عن العلوم المختلفة أم هي مجرد لغة وقوف على الأطلال وافتخار بالآداب الإنسانية المتنوعة؟ حيث أكدت أنَّ اللغة العربية كان لها دور بالغ الأثر في حدوث نقلة نوعية علمية في فترة من فترات التاريخ، عندما أفرزت علماء كباراً عبَّروا بهذه اللغة عن مكنون معارفهم، التي أخذ الغرب منها أسس نهضتهم عبر بعثات علمية أرسلوا إليها أبناءهم لتلقي تلك المعارف التي تمَّ تدوينها بالعربية. ووضعت الدكتورة بروين تحت عدسة البحث في الجلسة الوضع الحالي للغة العربية من حيث مواكبة العلوم التجريبية وتعريبها، وموضع العرب أمام هذه الإشكالية. وهي ترى أنَّ الشعوب العربية رغم قوتها، تعاني ضعفاً في الشعور بلغتها والاعتزاز بها. مؤكدة ضرورة أن تكون اللغة عين الإنسان على العالم، ونافذة الأمم على الثقافات الأخرى.
أدوات المعارف
وفي حديثه، أكد الأستاذ محمد الشارخ، مؤسِّس ورئيس مجلس إدارة شركة صخر، أنَّ سؤال: هل تصلح العربية لغة للعلوم هو سؤال غريب، فاللغة أياً كانت مؤهلة لأن تكون أوعية للآداب، والعلوم على حد سواء. هي حصيلة تجارب إنسانية عقلية وفكرية ليست وقفاً على أمة دون أخرى، ولا لغة دون غيرها، أما اللغة فهي عبارة عن الوسائل والأدوات التي يعبِّر بها كل قوم عن مرادهم، وليس لها علاقة بتميز أقوام على آخرين من الناحية العلمية. مبيناً أنَّ جذور مسألة صلاحية العربية للعلوم بدأت منذ بداية الحملة الاستعمارية على العالم العربي، التي ربطت بين تخلُّف العرب عن مواكبة عصر النهضة الغربية وبين العربية، لتغريب أبناء العرب عن أصولهم وتنحيتهم عن نقاط القوة التي تجمعهم. ولذلك، بحسب محمد الشارخ، فإنَّ هذا السؤال لا نسمعه عن أيِّ لغة من اللغات الأخرى مهما كان مستخدموها قلة.
دور النخب العربية
وحول ضرورة استخدام العربية في الدراسات الأكاديمية، والأسباب التي تقف وراء إقصاء لغة الضاد عن قاعات المحاضرات الأكاديمية في الجامعات، ولا سيما في قطاعات العلوم التجريبية، أوضح محمد الشارخ أنه من الضرورة بمكان أن يكون هناك عمل دؤوب يتكوَّن من اتجاهين رئيسين: الاتجاه الأول يتعلَّق بالنخب العربية المثقَّفة والمتعلِّمة، التي ينبغي عليها لزاماً أن تكونَ على قناعة تامة بأن تقدَّم المجتمعات والأمم يجب أن يكون ضمن أطر لغاتها القومية، وأنَّ العلوم والمعارف ليست وقفاً على لغة دون أخرى. أما الاتجاه الثاني، وهو من الضرورة بمكان، فإنه يرتبط بالقرار السياسي الصريح، الذي يصدر قرارات جريئة بإجراء امتحانات باللغة العربية تؤهل طلاب الثانوية للدراسة في الجامعات، وإدراج اللغة العربية لغة أساسية في كليات العلوم التجريبية، دون نبذ اللغات الأخرى والاعتماد عليها كمراجع في زيادة مخزون الطلبة وتزويدهم بأحدث ما توصل إليه العالم من تطورات علمية حديثة. مؤكداً أنَّ التعليم ينبغي أن يكون باللغة العربية أسوة بالدول التي لا تستغني عن لغاتها الأم بديلاً في تلقي العلوم التجريبية.
لغة الإبداع
الدكتورة ليلى العبيدي، أوضحت خلال الجلسة أنَّ العربية من أقدم اللغات التي تتميَّز في آدابها وفي جمالياتها وفي خيالها، فالخيال عند العرب إبداع عربي بنت من خلاله العرب آداباً حملتها أمة العرب ونشرت علومها في قلب العالم من خلال تأسيس حضارة إبداعية وعلمية رائدة، وحواضر عربية مزدهرة في المنطقة العربية والإسلامية، وكانت مهد ازدهار العلوم التي أخذ منها الغرب وأرسلوا بعثاتهم إليها لتأسيس نهضتهم.
وأضافت الدكتورة ليلى أنه لا ينفكُّ الحديث عن دور اللغة في نشر العلوم الحديثة عن مجامع اللغة العربية، التي لها دور مقدَّر في إخراجها معاجم عربية معاصرة للعلوم، ولكن المأمول منها أكبر مما هو عليه الآن، وأنَّ جهود مجمع اللغة العربية بالشارقة كبيرة في هذا الشأن. مؤكدة أنَّ اللغة العربية ولَّادة، وهي لغة إبداع تستوعب الكثير من المصطلحات، وباب التعريب باب واسع ومصدر فخر عربي يعزِّز من قيمة التواصل مع الحضارات الأخرى في الاستخدامات العلمية للمصطلحات الجديدة دون تعصُّب أو تزمُّت. كما ركَّزت على أهمية ترجمة المعارف الأخرى إلى العربية، مشيرة إلى حركة الترجمة التي أثرت المكتبة العربية عبر التاريخ بآلاف الكتب التي نجح العرب من خلالها في التأسيس على علوم الأمم السابقة وتطويرها.
تطور اللغة
وحول صلاحية العربية لمواكبة العلوم من ناحية المصطلحات العلمية وتعريبها، أفادت الدكتورة ليلى العبيدي أنَّ الظنون التي تنسب الجمود إلى العربية خاطئة لا شكَّ، فالعلوم متطورة بتطور البشرية، واللغة وعاء المعارف التي لا تعجز العربية عن استيعابها والتعبير عنها بوضوح ودون أي جمود. والألفاظ الغريبة التي لم يزل الكثير يطرحها لنقد العربية، هي دليل للعربية لا ضدها، حيث إنَّ المتبحر في تاريخ تطور اللغة العربية منذ مهدها في جزيرة العرب، يجد أنه قد نال هذه اللغة من التطور عبر العصور الشيء الكثير، فالأسلوب الذي وصل إليه البيان العربي في حدائق الأندلس وبساتينها وأنهارها تطوَّر كثيراً عن أسلوب العرب في كلامهم في الصحراء، وهذا دليل على تأثر العربية بالحالة الاجتماعية والبيئية، وقدرتها على مواكبة ومسايرة الحياة دون أي تحجر أو جمود.
حول مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة
تعدُّ مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة إحدى الجهات الملحقة بهيئة دبي للثقافة والفنون "دبي للثقافة"، وتهدف إلى تقوية الأجيال المستقبلية وتمكينها من ابتكار حلول مستدامة؛ لتيسير عملية المعرفة والبحث في العالم العربي، كما تتعهد بتأسيس مجتمعات قائمة على المعرفة، من خلال تمويل المشروعات البحثية والأنشطة والمبادرات. فهي تدعم الأفكار والابتكار، وفي نفس الوقت تهتم بركائزها الأساسية التي تتمثل في التعليم وريادة الأعمال والبحث والتطوير. كما أنها تسعى لتطوير القدرات المعرفية والبشرية في العالم العربي من خلال التركيز على ثلاثة قطاعات استراتيجية هي المعرفة والتعليم وريادة الأعمال، وتعمل على تنمية الموارد البشرية في المنطقة من خلال خلق قاعدة عريضة من الخبرات البشرية التي تتمتع بمعارف ومواهب واسعة، وتوفير المزيد من الفرص للأجيال الشابة للحصول على المعرفة وضمان مستقبل أفضل، وتشجيع المهارات القيادية في أوساط الجيل الشاب لتحسين مستوى ونوعية حياتهم. إضافة إلى رعاية الجوائز المحلية والعالمية في مجالات الثقافة والأدب والمعرفة والعلوم.