محمد بن راشد للمعرفة تناقش المهارات الأساسية في بناء جيل المستقبل
في جلسة أكَّدت ضرورة التحوُّل إلى منظومة تعليمية تركِّز على التحليل والفهم العميق
عقدت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، إحدى الجهات الملحقة بهيئة دبي للثقافة والفنون "دبي للثقافة"، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جلسة نقاشية تحت عنوان "المعرفة من منظور جديد: التحوُّل إلى منظومة تعليمية تركِّز على المهارات" التي تنظَّم ضمن سلسلة "حوارات المعرفة" بهدف تسليط الضوء على أهمِّ القضايا المعرفة الراهنة، وتحدَّث فيها الكاتب والمستشار والمدرِّس جيف أوتيك، وأدارت الجلسة تريشيا فريدمان، مديرة المحتوى الإبداعي في Shifting Schools.
افتتح جيف أوتيك الجلسة بتأكيده أنَّ ما تتناوله الجلسة بالنقاش هو حديث مبني على أبحاث استشراف مستقبل التعليم، خاصة طلبة الصف الثاني عشر، وأنَّ الأصل الذي ينبغي أن يبنى عليه الموضوع يتعلق بإعادة تعريف المعرفة، حيث إنَّ المعرفة من منظور جديد تركِّز على المهارات. فقبل تفشي جائحة كوفيد – 19، كنّا ننظر إلى المنظومة التعلمية في كل مكان بشكل يرتبط بتراتبية هرمية للمعرفة، بحيث ينصب التركيز على المهارات الخاصة بالنص المكتوب على الورق، وحينذاك لم يكن ثمة تركيز على المعرفة والمهارات الرقمية عن طريق الإنترنت. وبعد تفشي الجائحة، وبين عشية وضحاها، كان علينا أن نعكس هذا الهرم، وأصبح اكتساب المهارات التعليمية إلكترونياً، عن طريق التعلُّم عن بُعد، وهذا أدّى إلى زعزعة النظام التعليمي، وأصبح مطلوباً أن يصبح جيل كامل مطالباً باكتساب مهارات التعليم عن طريق الوسائل غير التقليدية التي لم يكن الجيل السابق من الطلبة قد اعتادها، وكانت تعدُّ ثانوية في السابق. وهنا يشير جيف إلى أنَّ ما يطرحه في مقدمة كلامه هو توصيف للوضع الراهن، بغض النظر عن مسألة صواب هذا التوجُّه من عدمه.
مهارات جديدة
وأضاف جيف بأنَّ عصر الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها الآن تحتاج إلى مهارات جديدة على الجهات التعليمية أن تأخذها بعين الاعتبار، وأن يتمَّ تزويد الطلاب بها ليكونوا مؤهلين لخوض غمار هذه المرحلة من التطوُّر العلمي الهائل. وهذا يتطلَّب أولاً تمكين الطلاب من أدوات ومهارات صياغة المستقبل. فاقتصاد المعرفة يقوم في أساسه على كمية وجودة وسهولة الوصول للمعلومات، وهذا يستدعي أن يمكَّن الطلبة من أدوات المعرفة الحديثة، كالأجهزة اللوحية، والإنترنت المفتوح والسريع، لتسهيل الوصول إلى المعلومات ذات الجودة العالية، لأنَّ هذا هو الأسلوب الذي سيعتمد عليه النمو الاقتصادي في المستقبل.
ويؤكد جيف أنه من الضرورة بمكان توفير الأدوات الجديدة التي ينبغي أن تتاح للطلبة في هذا العصر، خاصة مع جيل قد نشأ وترعرع في زمن سهل فيه الوصول إلى المعلومات بشكل غير مسبوق. وهذا يستدعي من القائمين على المناهج التعليمية أن يزودوا الطلاب بمهارات البحث الذاتي عن المعلومات، وأن تكون لديهم القدرة على المشاركة في بناء المحتوى منذ نعومة أظفارهم. فموقع ويكيبيديا، على سبيل المثال، أكسب الطلاب معارف عميقة من ناحية تعديل المعلومات الواردة فيها، وفي حال لم تتوافر معلومات عن موضوع ما عليه، فإنَّ الطالب يسعى إلى البحث والتمحيص عن ذلك الموضوع كي يكتب عنه في الموقع، وهذا بحدِّ ذاته ذو فائدة كبيرة تتجاوز مسألة موثوقية المعلومات التي تبث عليه؛ إذ إنه يعطي الطالب مهارة المشاركة في بناء المحتوى وتطويره وتحسينه.
التحليل العميق
وأشار جيف إلى أنَّ جيل اليوم بحاجة إلى مهارات مختلفة تماماً عن المهارات القائمة على التكرار والحفظ. إنه بحاجة إلى مجموعة من المهارات المرتبطة بكيفية اكتساب المعرفة، بحيث نعلمه كيفية التأكد من صحة المعلومة، وأين يمكن أن يجد المعلومة الموثوقة المتعلقة بالمجال الذي يتعلمه. علينا أن نزود الطالب بالمهارات التي تمكِّنهم من توجيه اهتمامهم إلى ما هم بحاجة إليه من المعارف، وهذا يمثِّل تحولاً كبيراً في منظومة التعليم.
وفيما يتعلق بمواكبة الصفوف الدراسية لهذه المهارات المطلوب اكتسابها، يرى جيف أننا بحاجة إلى أن نكسب الطلاب أدوات تعرِّفهم بالعالم من حولهم، وتجعلهم يفهمون ما يدور حولهم عبر التحليل العميق لما يتعلمونه. هذه الأدوات، بحسب جيف، تخلق جيلاً مبدعاً في الفهم والتحليل والاستنتاج. فالعالم اليوم هو عالم التحليل والفهم، لا عالم الحفظ والتلقين. وهنا يشير جيف إلى أنَّ نسبة كبيرة من المعلومات التي تعلمناها في الصغر تغيَّرت في الوقت الراهن، فالمعرفة تتطوَّر مع تطوُّر الحياة البشرية، والاكتشافات الحديثة تنشئ كلَّ يوم معلومات ومعارف هائلة لم تكن في السابق، أو ما كان يُعتقَدُ سابقاً مخالفٌ لها. وهذا يجعل إمضاء الوقت في تلقين الحقائق أمراً لا أهمية له كالوقت الذي نمضيه في تعليم الأطفال كيف يفهمون ويحللون ويحلون المشكلات التي تواجههم في شتى العلوم التي يتعلمونها، بحيث يفكرون تفكير العلماء في تلك الأمور.
تمحيص المعلومات
وأوضح المستشار التعليمي وأحد متحدثي قمة المعرفة أنَّ من المهارات الأساسية التي ينبغي على المدرس أن يزوِّد بها طلابه تتمثَّل في معرفة كيفية البحث على المواقع، وتمييز الغثِّ من السمين من المعلومات، بحيث يستطيع الطالب أن يميِّزَ الحقائق والمعارف من الآراء، والصحيح من المعلومات من الأباطيل، مؤكداً أنَّ زيادة الاهتمام بالإنترنت كوسيلة من وسائل التعليم لا تعني إهمال غيرها من مصادر المعرفة، بل على المدرس أن يزرع الثقة بنفوس طلابه بمصادر البحث المتنوعة، من الكتب والمجلات وغيرها، دون أن يقيِّدهم بالمصادرة الإلكترونية فحسب، بحيث علينا أن نربطهم بكافة أنواع المصادر التي يستفيدون منها. وبذلك يستطيع الأبناء أن يمتلكوا أدوات التفكير النقدي التي تفيدهم في مستقبلهم العلمي والمهني.
وعن التطبيق العملي لهذا التحوُّل في منظومة التعليم، أفاد جيف بأنَّ نجاح هذه المنظومة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطوير المعلمين والعاملين في الحقل التعليمي، إذ لا يمكننا أن نتحدَّث عن الإبداع في العملية التعليمية بمعزل عن تطوير المعلمين القادرين على تعزيز التجارب البنّاءة لدى الطلاب، بحيث يرسِّخون فيهم عنصر التجربة والمهارات والأدوات التي نتحدث عنها، والتي تسهم في بناء جيل يستطيع أن يمتلك زمام المبادرة، ويقود مرحلة التطوير المستقبلية للعالم.
حوارات المعرفة
وتأتي سلسلة «حوارات المعرفة» انطلاقاً من حرص مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تعزيز مسارات نقل ونشر المعرفة، والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة، ولتسليط الضوء على فرص وتحديات بناء مجتمعات المعرفة في ظل انتشار وباء كوفيد 19، والتحوُّلات الجوهرية التي طرأت مع تفشِّي هذه الجائحة. وتهدف المبادرة إلى معالجة أهمِّ القضايا المعرفية والتنموية الراهنة، واستعراض أفضل الممارسات والتجارب العالمية، إلى جانب طرح الحلول لمواجهة التحديات، سعياً إلى تقدُّم الأمم وتنميتها المستدامة ورفاهية شعوبها.